أما السيد رشيد رضا – صاحب المنار - رحمه الله فقد قال في تفسير آية المصارف ما نصه:
"التحقيق أن سبيل الله هنا: مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد، وأن حج الأفراد ليس منها؛ لأنه واجب على المستطيع دون غيره، وهو من الفرائض العينية بشرطه كالصلاة والصيام، لا من المصالح الدينية الدولية ... ولكن شعيرة الحج وإقامة الأمة لها منها فيجوز الصرف من هذا السهم على تأمين طرق الحج وتوفير الماء والغذاء وأسباب الصحة للحجاج إن لم يوجد لذلك مصرف آخر.
وذكر صاحب المنار بعد ذلك بقليل أن سبيل الله يشمل سائر المصالح الشرعية العامة التي هي ملاذ أمر الدين والدولة وأولها (وأولاها بالتقديم الاستعداد للحرب لشراء السلاح وأغذية الجند وأدوات النقل وتجهيز الغزاة، وهذه بالنسبة للحرب الإسلامية والجيوش الإسلامية التي تقاتل لإعلاء كلمة الله فحسب) . وتقدم مثله عن محمد بن عبد الحكم، ولكن الذي يجهز به الغازي يعود بعد الحرب إلى بيت المال إن كان مما يبقى كالسلاح والخيل وغير ذلك؛ لأنه لا يملكه دائماً بصفة الغزو التي قامت به، بل يستعمله في سبيل الله، ويبقى بعد زوال تلك الصفة عنه في سبيل الله، ويدخل في عمومه إنشاء المستشفيات العسكرية وكذا الخيرية العامة: وإشراع الطرق وتعبيدها، ومد الخطوط الحديدية العسكرية، لا التجارية، ومنها بناء البوارج المدرعة والمطارات الحربية والحصون والخنادق، ومن أهم ما ينفق في سبيل الله في زماننا هذا إعداد الدعاة إلى الإسلام وإرسالهم إلى بلاد الكفار من قبل جمعيات منظمة، تمدهم بالمال الكافي، كما يفعله الكفار في تبشير دينهم، وقد ورد تفصيل هذه المصلحة العظيمة في تفسير قوله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} آل عمران: ١٠٤.