وقد رأينا من فقهاء المسلمين من ألحق بالعاملين على الزكاة كل من يعمل في مصلحة عامة للمسلمين: قال ابن رشد: والذين أجازوها للعامل، وإن كان غنياً أجازوها للقضاة، ومن في معناهم، ممن المنفعة بهم عامة للمسلمين. كما رأينا من فقهاء الحنفية من ألحق بابن السبيل كل من هو غائب عن ماله، غير قادر عليه، وإن كان في بلده؛ لأن المعتبر هو الحاجة وقد وجدت.
فلا عجب أن نلحق بالجهاد –بمعنى القتال- كما يؤدي غرضه، ويقوم بمهمته من قول أو فعل؛ لأن العلة واحدة، وهي نصرة الإسلام. ومن قبل رأينا للقياس مدخلاً في كثير من أبواب الزكاة، ولم نجد مذهبا إلا قال به في صورة من الصور.
وبذلك يكون ما اخترناه هنا في معنى سبيل الله هو رأي الجمهور مع بعض التوسعة في مدلوله.
وأود أن أنبه هنا على أن بعض الأعمال والمشروعات قد تكون في بلد ما وزمن ما وحالة ما جهاداً في سبيل الله، ولا تكون كذلك في بلد آخر أو وقت آخر أو حال آخر.
فإنشاء مدرسة في الظروف العادية عمل صالح وجهد مشكور يحبذه الإسلام، ولكنه لا يعد جهاداً، فإذا كان بلد ما قد أصبح فيه التعليم وأصبحت المؤسسات التعليمية في يد المبشرين أو الشيوعيين أو اللادينيين العلمانيين، فإن من أعظم الجهاد إنشاء مدرسة إسلامية خالصة، تعلم أبناء المسلمين وتحصنهم من معاول التخريب الفكري والخلقي، وتحميهم من السموم المبثوثة في المناهج والكتب، وفي عقول المعلمين، وفي الروح العامة التي توجه المدارس والتعليم كله.
ومثل ذلك يقال في إنشاء مكتبة للمطالعة، وتكون هذه المكتبة إسلامية في مواجهة المكتبات الهدامة، وكذلك إنشاء مستشفى إسلامي لعلاج المسلمين وإنقاذهم من استغلال الإرساليات التبشيرية البشعة، وإن كانت المؤسسات الفكرية والثقافية تظل أشد خطراً، وأبعد أثراً. ولا شك أن من أهم ما ينطبق عليه معنى الجهاد في عصرنا هو: العمل لتحرير الأرض الإسلامية من حكم الكفار الذي استولوا عليها، وأقاموا فيها حكمهم بدل حكم الله، سواء أكان هؤلاء الكفار يهوداً أم نصارى أم وثنيين أم ملحدين، لا يدينون بدين، فالكفر كله ملة واحدة.