بسم الله الرحمن الرحيم. أشكركم يا سيادة الرئيس، وأشكر إخواننا الذين تفضلوا فسبقوني بالكلام؛ لأن هذا الموضوع من بوادره قد قتل بحثا، ولا أريد أن أكرر ما قالوه ولا أن أعلق عليه، وإنما أريد أن أبين بعض المحظورات. فنحن بإزاء عبادة، وهي الزكاة، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، فنحن إذن نتقيد فيها بالنص، وتمنعنا أصول الإسلام بعضه أصول الدين نفسه، تمنعنا أن ننقل فردا محل آخر، وتمنعنا من أن نهدر من حق جماعة بعضه لننقله إلى آخرين، وتمنعنا أصول الفقه كذلك عند ورود النص صريحا من أن نجتهد مع ورود النص صريحا في الموضوع. والنص الخاص بالزكاة أصرح ما يكون. وهي بذاتها جهاز أنشأه الله تعالى لإيجاد التضامن بين الجماعة، وليجبر بعض بعضاً آخر، هذا واضح، فكل اجتهاد فيه، هو اجتهاد مع ورود النص، وهذا ممنوع بأصول الفقه. هذه واحدة لا نستطيع أن نضع التضامن الإسلامي ولا صندوق التضامن بين المستحقين، وإنما هذا جهاز جديد مستحدث لتمكين المسلمين من أن يتعاونوا، فلينشأ بهذا الجهاز الجديد ما يطوعه أو ما يطوع الأشياء له، لكننا لا نستطيع أن نجعله هو القائم على الزكاة، وأن نجعله هو الذي يصب فيه مصارف هذه الزكاة، ولا نجعله يستطيع أن يحل محلها. والزكاة تبدأ ونحن يجب أن نبدأ بما يبدأ به الله سبحانه وتعالى، فالله قد بدأ بالفقراء وانتهى إلى {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} ولا نستطيع أن نجعل في سبيل الله يحل محل الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم إلخ.
الزكاة مراعى فيها الجانب الشخصي. هذه مسألة أساسية لا تستطيع أيضا مؤتمرات المسلمين، ولا النظم السياسية في المسلمين أن تستبعد هذا الجانب الشخصي من دفع الزكاة إلى مستحقيها، حتى اللجنة التي تفضل إخواننا فاقترحوها بتخفيف وضع النظرية المعروضة الآن، هذه اللجنة أيضا لا تستطيع أن تتكلم عن الأولويات، ونقل الجانب الشخصي إلى جوانب نظامية، أو جوانب دولية، أو جوانب يقوم بها صندوق التضامن مقام الأشخاص المستحقين في المقام الأول، رضي الله عن سيدنا عثمان أنه عندما ترك للناس أن يدفعوا الزكاة ولم يحصلها تركها للناس تحت مسئولياتهم الشخصية،
ولم يرد هو أن يجبي الزكاة بمشاكلها ليتولى التوزيع، فحتى هذا الذي ورد في أصل التطبيق، أو في تطبيق السلف الأول أو في تطبيق الخليفة الراشد عثمان، هذا أيضا يمنعنا من أن نحل محل الأفراد والأشخاص في القيام بهذه الفريضة.
لذلك أرجو ألا نجتهد سياسيا، وألا نجعل لمجمع الفقه دخلا في أن يحل محل الأشخاص الذين وكل الله إليهم، كما طبق أمير المؤمنين عثمان، أن يدفعوا الزكاة لمستحقيها الذين يرونهم، أرجو ألا نكون نحن قد حللنا أو نريد أن نحل محل الأشخاص في هذا التوزيع. كل ما أرجوه أننا إذ نحل صندوق التضامن محل الفقراء والمساكين، يجب أن نذكر أين موقعه هو من هذه المصارف الثمانية، موقعه لا شك واضح. من أجل هذا أرجو أن نترك الزكاة للتقدير الذي جرى عليه التطبيق والمسلمون من قديم الزمان، ومهما كانت منحهم لا يترخصون في الزكاة كما يظن البعض، وإنما الجانب السري في التوزيع هو الذي جعلها لا تظهر قوية لبعضنا أيضا. ولهذا أشكر وأزكي البحث الذي قدمه صديقنا الأستاذ يوسف جيري وإخواننا الذين سبقونا بالكلام وأشكركم.