للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:

بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يبدو لي من البحوث التي قرأتها لبعض الإخوة في هذا الموضوع أن الهدف هو ربط سائر المصالح والاحتياجات الإنسانية بمعين واحد شرعه الله ألا وهو الزكاة، وذلك طبعا يعني أن يؤدي إلى إعفاء بيت مال المسلمين المتمثل في أموال الدول الإسلامية من كل مسؤولية؛ ذلك لأن سائر المنشآت الإنسانية:

المساجد، المستشفيات، المصالح العامة المختلفة المتمثلة في أنواع شتى إذا أنيطت مسؤولياتها بالزكاة، فقد أرحنا بيت مال المسلمين من كل شيء.

وما أظن أن هذا تصور يتفق مع حقائق وكليات ومبادئ الشريعة الإسلامية، فيما قرأناه من بحوث الشريعة الإسلامية في هذا الصدد، رأينا أن الحاجات التي يلفت الإسلام إليها تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: المحتاجون الذين يمكن أن يوجدوا في مختلف البقاع والبلاد

الإسلامية وضرورة إغنائهم.

القسم الثاني: المصالح العامة الإنسانية التي تتمثل في إنشاء مرافق وبناء مساجد، ومؤسسات ومستشفيات ونحو ذلك.

وقد شرع الله سبحانه وتعالى لسد الثغرة الأولى الزكاة، ونص على هذا المعنى بأداة الحصر فقال جل جلاله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ} إلى آخر الآية (التوبة ٦٠) ، ولكأن الكلام الإلهي يحذر من هذا التصور الذي جاء به الزمن فيما بعد، ففتح دائرة منافذ الزكاة لتمتص كل المصالح والحاجات، ولكن أداة الحصر جاءت سدا وردا بهذا التصور إنما الصدقات للفقراء. وهنالك متكأ لبعض الإخوة أو لبعض الناس أمام كلمة: وفي سبيل الله، ألا وهو النقل الذي نقله ولم يتبنه بعض المفسرين لكلمة {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} فتصوروا أنها قد تعني كل الحاجات الإنسانية التي يقرها الإسلام، هذا التصور مردود أيها الإخوة بدليلين اثنين: أولهما لو كانت كلمة (في سبيل الله) تعني غير المجاهدين في سبيل الله من هذا المعنى المتسع جدا، إذن لكان من العبث النص على الأصناف السبعة الأخرى؛ ذلك لأن الفقراء، المساكين، العاملين عليها، الغارمين، كل هؤلاء يندرجون تحت اسم في سبيل الله، ومعاذ الله أن نصف القرآن بالعبث، أو أن نصف كلمة فيه بالتزيد، هذا لا يمكن، إذن فكلمة (في سبيل الله) قسيم للأنواع السبعة الأخرى، والقسيم يختلف عن قسيمه.

الشيء الثاني: تعالوا ننظر إلى الإجماع الفعلي خلال العصور التي خلت، عصر رسول الله (ص) ، الذي يليه، الذي يليه، إلى يومنا هذا، هل رأينا على صعيد الواقع من صرف شيئا من مال الزكاة إلى غير فقير ينتسب إلى نوع من هذه الأنواع الثمانية، لم نجد ذلك على صعيد الواقع أبدا، إذن نحن أمام إجماع فعلي عملي، وهو لا يقل كما قال جمهور الفقهاء عن الإجماع القولي.

أما ما يتعلق بالمشكلات التي أثارها الأستاذ يوسف في بحثه القيم أنا أقبل ما قاله كلفت نظر، مثلا نقل الزكاة من بلد إلى بلد، تعجيل الزكاة، متى يجوز استبدال العين بالقيمة والعكس. هذه بحوث يلفت نظرنا إليها ونعم ما فعل، ولكنها محلولة لا مشكلة. فهنالك من أجاز نقل الزكاة وإن كان الشافعية لا يجيزون ذلك، وهنالك من أجاز استبدال القيمة بالمقوم، وإن كان ثمة من لم يجز ذلك، وهذه الأقوال أقوال صحيحة لا ضعف فيها، لكن ينبغي أن نتبصر بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>