للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس ما يصلح للحيوان يعتبر صالحًا لبني الإنسان، يقول الله: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [سورة الزمر: الآية ٦] وقال سبحانه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [سورة الحج الآية ٥] .

وهذا معنى ما في الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك)) أي أربعين يومًا، والعلقة قطرة دم ((ثم يكون مضغة مثل ذلك)) أي قطعة لحم ((ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح)) أي في الشهر الخامس.

وهذا الشتل إما أن يكون في حالة كونه نطفة، أو في حالة كونه علقة، أو في حالة كونه مضغة، فإنه يحكم بأنه للأم التي حملت به وولدته وزوجها هو أبوه الذي ولد هذا الغلام على فراشه، لحديث ((الولد للفراش)) .

ويعتبر التلقيح بطريق الشتل بمثابة العرق الظالم، أي لا حق لمدعيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس لعرق ظالم حق)) وهذا من حديث رواه أبو داود وأهل السنن أن رجلين اختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم في أرض غرس أحدهما فيها نخلًا والأرض للآخر، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للأرض لصاحبها وقال: ((ليس لعرق ظالم حق)) .

وقد سمى الله المرأة حرثًا فقال: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [سورة البقرة الآية ٢٢٣] فكل ما تحمل به المرأة ذات الزوج بأي طريقة فإنه ينسب إلى زوجها لكونه نماء حرثه وقد ولد على فراشه ولأن نكاحه لها هو مما يزيد في نمو الولد في بطنها.

وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل مجخ عند باب فسطاط فقيل له: إن هذا الرجل عنده جارية هي حبلى من غيره وهو ينكحها فقال: ((لقد هممت أن ألعنه لعنًا يدخل معه في قبره كيف يطؤها وهي لا تحل له وكيف يورثه وهو لا يحل له)) .

ثم نهى أن يسقى الرجل ماءه زرع غيره.

وخلاصة البحث: أنه لو نقل بطريق الشتل وهو نطفة أو علقة أي قطعة دم أو مضغة وهو قطعة لحم فنما في بطن المرأة ذات الزوج حتى نفخ فيه الروح وحتى أتمت مدة حملها به فوضعته فإنه يكون ولدًا لها ولزوجها لعموم حديث ((الولد للفراش)) .

وهي قاعدة شاملة حتى لو طابت نفس الأم التي حملت به، وطابت نفس الاب بجعله للمرأة التي لم تحمل ولم تلد ولزوجها فإنه لا يجوز ذلك لكونه حرًا لا تجوز هبته ولما يترتب على هذا التصرف من قطع صلته بنسب أبيه، وقطع صلته بأمه التي قاست الشدة والمشقة حيث حملته كرهًا ووضعته كرهًا، فيقطع نسبه بها ويجعلها أجنبية عنه، وهو من باب قطع ما أمر الله به أن يوصل، ثم يلحق بأب أجنبي ليس بأب له فينسب إلى غير أبيه، وفي الحديث: ((من انتسب إلى غير أبيه فالجنة عليه حرام)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>