وهذا مبدأ عام في الشريعة الإسلامية يشترك في فهمه جميع علماء الأمة الإسلامية.
٢- أما حق الفقراء في أموال الأغنياء إذا لم تف الزكاة بحياة كريمة لهم فقد تقرر من مبادئ الإسلام ونصوص الشريعة كما فهمه السلف وطبقه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم، ونخلص من هذه النقطة إلى تقرير حق شرعي في أموال الأغنياء للفقراء إذا لم تف الزكاة بذلك، وإن مبادئ الإسلام العامة قد أعطت الحاكم أو السلطة أخذ هذا الحق بما يحقق المستوى الاجتماعي للفقراء.
٣- أما حدود هذا الحق فقد أشار الإمام ابن حزم بقوله:(يقام للفقراء بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه ومن اللباس للصيف والشتاء بمثل ذلك ومسكن من المطر والشمس) . وهنا نجد أن هذا الفكر الإسلامي في مستوى سام على هذا النحو الرحب الذي يتضمن الغذاء والكساء والمسكن، وجعله حقاً للطبقة الفقيرة، يعبر عن روح الإسلام وجوهره الحقيقي. ومن هنا فإن واجب علماء الإسلام المجتهدين لا يقف عند الحديث عن الزكاة وأنواعها ومقاديرها، وأن لا يكون همه أيضاً فقط موجها إلى استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها فقط، وإنما أيضا إلى ذلك كله النظرة الفقهية الرشيدة والحكيمة إلى المجتمع وحاجاته؛ لأننا قد علمنا بأن في أموال الأغنياء حقاً سوى الزكاة. وأن الله قد فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم، ولهذا فإن الحاكم أو السلطة لها أن تأخذ من أموال الأغنياء ما لا بد منه لتحقيق المستوى المناسب من الحياة للفقراء وتمكينهم من الاستمتاع بها، وإن تجاوزت في ذلك حدود الزكاة.
إذن نخلص من هذه الفقرة في نهاية المبحث الأول إلى أن هذا الحق ليس محدداً، ولن تقف حدوده الشرعية إلا عند مستوى الحياة الكريمة للطبقة الفقيرة. وواضح بأن ذلك كله يتجاوز حدود الزكاة، وبالتالي يجب أن يكون مرناً قابلاً للزيادة والنقص؛ حتى تستطيع الدولة مواجهة كافة الظروف، وتكفل للفقراء حياتهم الكريمة، ولا تعجز عن الوفاء بها إذا زاد عدد الفقراء في المجتمع، وبحيث يفي هذا الحق الذي تجاوز حدود الزكاة منضماً إلى ضريبة الزكاة، تحقيق الهدف الإسلامي العظيم، وهو محو الفقر والبؤس من المجتمع الإسلامي.