وإذا كان لمجمعنا من خصائص يمتاز بها على بقية المجامع الفقهية، فإنه إلى جانب أنه أول مجمع عالمي يضم في إطاره الأمة الإسلامية، فإن تفكير العقلية الاجتهادية لمجمعنا يجب أن لا تكون محصورة في دائرة النصوص، أو على استخلاص دلالتها.
١- لأننا نعتقد بأن باب الاجتهاد مطلق، وما مجمعنا الموقر إلا إثبات لهذه الحقيقة التي تنسجم مع عقيدة المسلمين بخلود الدين الإسلامي إلى قيام الساعة، ولا يكون كذلك إلا إذا كان قادراً على استيعاب واقع الحياة البشرية المتطور في كافة مراحلها.
ومن هنا فإن النظرة الاجتهادية لا بد وأن تستوعب البيئة المحيطة به، وما يعتمل فيها من فقر وبؤس من ناحية، وانغماس الأغنياء في الترف والنعيم وعدم اكتراثهم بمن حولهم من شقاء وبؤس العيش من ناحية أخرى، ومن هنا لا بد للمجتهد من نظرة واسعة يقتضيها تطور المجتمع وانعكاساته على أوضاع الناس، بحيث ينظر ليس فقط بعقلية من يريد أن يجمع النصوص ومصادر الاجتهاد كي يستخرج منها دلالتها على الأحكام الشرعية، بل لا بد وأن يضيف إلى ذلك روح من يعتقد بأن الشريعة الإسلامية إنما جاءت لتحقيق السعادة الإنسانية ومحو مظاهر البؤس والفاقة من المجتمع، وأن مهمته الكبرى هي النظرة الفقهية إلى استخلاص العلاج الإسلامي الكامل من تلك المصادر والنصوص الشرعية، إلى جانب النظرة الموضوعية إلى واقع الحياة البشرية التي تطلب علاج أمراضها من شريعة الإسلام، خاصة إذا ما علمنا بأن هذه النظرة الفقهية إلى النصوص الشرعية قد سبقنا إليها أئمة من السلف كانت لهم الإمامة الفقهية في عصورهم، منهم الإمام الكبير والفقيه الحجة ابن حزم الظاهري الذي شعر في عصره بمشكلة الفقر في المجتمع، وتجرد في نظرته الفقهية إلى النصوص بروح النظرة الموضوعية للمصلح الاجتماعي والعقل المفكر الحر للبحث عن علاج حاسم لها في دائرة الإسلام.
ولم يكن ابن حزم مجرد فقيه عادي، كل همه دراسة النصوص ودلالتها دون التفكير في الإنسان وشقاء الإنسان واختلاف الزمن وتطور المجتمع. وقبل الإمام ابن حزم علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال:"إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي الفقراء، فإن جاعوا أو عروا فبمنع الأغنياء، وحق على الله أن يحاسبهم يوم القيامة ويعذبهم عليه". وعلى هذا فإن المفروض إذاً هو ما يكفي الفقراء، وليس الزكاة وحدها، والذي يكفي الفقراء يتناول ما يسد حاجة الجموع، ويوفر لهم الغذاء والكساء، هذا الحق في مال الأغنياء غير الزكاة قرره علي بن أبي طالب وكبار علماء السلف والتابعين، وليس ابن حزم إلا معبراً عن هذا الاتجاه الإسلامي العظيم للسلف الصالح.