وقد أشار ابن حزم في الجزء السابع من كتابه المحلى إلى أن تحقيق مستوى الحياة الكريمة للطبقة الفقيرة حق شرعي وواجب اجتماعي يجب على الدولة أن تضطلع به، ولا يجوز أن تتركه لجهود الأفراد، وأن للحاكم أن يأخذ من أموال الأغنياء ما يحقق به هذا الغرض إذا لم تف الزكاة به. والمغزى الاجتماعي لهذه الفكرة واضح، وهي تجعل المجتهد لا يفكر في تمديد واجب الأغنياء نحو الفقراء، ولكنه يفكر في ضرورة تحقيق مستوى خاص من الحياة لكل فرد من أفراد الطبقة الفقيرة.
ومعلوم بأن الحكم الشرعي يؤخذ من نصوص الكتاب والسنة ومن القياس والإجماع. والفقيه عندما يقوم بمهمته الاجتهادية إنما يتجه إلى نصوص الكتاب والسنة ليستخلص منها الحكم الشرعي طبقاً للقواعد المقررة في أصول الفقه الإسلامي. ونحن هنا لا نحب أن ندخل في تفصيلات طرق استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها، فهذا لا يعنينا هنا، وإنما الذي يعنينا بصورة خاصة هو طبيعة هذا المنهج من ناحيته الإيجابية والسلبية، فهو من الناحية الإيجابية ينحصر في النصوص، ويجتهد في استخلاص الأدلة وصولاً إلى الحكم الذي يدل عليه النص، أو يشهد له القياس أو الإجماع ثم الاستنباط، وانتهت المهمة.
وواضح أن هذا المنهج الاجتهادي لا بد من توافره كشرط ضروري للاجتهاد، إلا أن هذا المنهج يجب أن لا يغفل تطور الحياة الإنسانية، بل عليه أن ينظر إلى مصادر الأحكام الاجتهادية من واقع الإنسانية التي جاءت هذه الأحكام لتنظيمها. خاصة إذا علمنا بأن واقع التراث الاجتهادي الفقهي يعلمنا بأن المصادر الشرعية الاجتهادية عندما تؤخذ بعيداً عن واقع الحياة البشرية تظهر تلك الأحكام الفقهية التي تشق على الناس، علماً بأن الشريعة ليس فيها حرج أو مشقة، وهذا أمر مفروغ منه أصولياً، ولكن مرد ذلك إلى النظرة الفقهية الاجتهادية بمعزل عن الظروف التي استجدت في المجتمع من عصر إلى آخر.