إن جمهور علماء الأمة الإسلامية سلفاً وخلفاً ينظرون إلى فريضة الزكاة من خلال النصوص الشرعية، على أن العلة في فرضية الزكاة التي يناط الحكم بوجوبها. هو النصاب النامي بالفعل أو بالقوة: أي القدرة على تنميته وإن لم يعمل على تنميته بالفعل، وأن العلة تؤخذ من النظرة الفقهية عند الفقهاء ومن تعليلاتهم في مواضع مختلفة ومن تتبع الأموال التي تجب فيها الزكاة، فهي في النقود لأنها نامية بالقوة وتجب في الزروع والثمار لإنماء الأرض والشجر وتجب في السائمة لأنها تنمو بمضي الزمن، ولا تجب في الأموال التي تكون لسد الحاجة الأصلية أو للاقتناء المباح شرعاً، ولذلك لم تجب في المسكن المعد لسكن رب المال، ولا أدوات الصناعة التي يعمل بها الصانع.
وهذا هو رأي الأحناف، واختاره الشيخ المرحوم محمد أبو زهرة في بحثه الخاص في الزكاة، والذي قدمه إلى مجمع البحوث في الأزهر. إذ يقول:"وقد وفرض النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة في النقود وطبقها الصحابة من بعده".
عروض التجارة: فرضها عليه الصلاة والسلام في الزروع والثمار وفي النعمة، واستنبط الفقهاء علة الزكاة في هذه الأنواع على أنها مال نامٍ. ثم يتساءل الشيخ أبو زهرة فيقول:"فهل إذا جد في هذه العصور أموال نامية بعضها لم يكن نامياً في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عصر الصحابة، ولا الأئمة المجتهدين، فهل يسوغ لنا أن نفرض فيها الزكاة تطبيقاً للعلة التي استنبطها الفقهاء لحكم وجوب الزكاة؟ وإذا فعلنا ذلك لا نكون قد أتينا بمحظور في الأحكام الشرعية.
وأجاب على هذا التساؤل بقوله: "إن الجواب على هذا السؤال سائغ لنا، ونحن فيه لا ننشئ اجتهاداً ولكن نطبق علة القياس كما لو رأينا مواد مسكرة غير ما كان معروفاً في عصر الاجتهاد الفقهي من مشروبات فهل نبيحها ونقول: إنه لم يرد نص فقهي بتحريمها". ونقول: إن تحريمها لا يجوز؟ إنه يجب تطبيق العلة. ثم يستطرد ويقول: "إن فرض زكاة في الأموال التي ظهرت في هذا العصر أو في الأموال التي تغير وصفها عن الماضي إذا كانت في الماضي تتخذ للحاجات وصارت الآن أموالاً نامية كالمصانع الكبيرة والعمائر الشاهقة التي تتخذ للاستغلال، والحيوانات التي تتخذ للنماء"، ثم يقول: إن فرض الزكاة في هذه الأموال ليس خروجاً على أقوال الفقهاء السابقين، بل هو تطبيق لأقوالهم. بأن نعمم حكم العلة في كل ما تتحقق فيه. هذا ما يسمى بتحقيق المناط، وتحقيق المناط لا يصح أن يخلو منه عصر من العصور.