ثم استطرد الشيخ أبو زهرة رحمه الله بالنقل من الجزء الرابع من الموافقات للإمام الشاطبي ص ٨٩-٩٥ ما نصه:
"الاجتهاد على ضربين –أحدهما: لا يمكن أن ينقطع حتى لا ينقطع أصل التكليف، وذلك عند قيام الساعة. والثاني يمكن أن ينقطع قبل فناء الدنيا. فأما الأول، فهو الاجتهاد المتعلق بتحقيق المناط، وهو الذي لا خلاف بين الأمة في قبوله، ومعناه أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي، ولكن يبقى في تعيين محله: أي تطبيقه على الجزئيات والحوادث الخارجية. ويكفيك من ذلك أن الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها، وإنما أتت بأمور كلية وعبارات مطلقة تتناول أعداداً لا تنحصر، ومع ذلك فلكل معين خصوصية ليست في غيره، ولو في نفس التعيين، وأنه بالنسبة إلى كل ناظر وحاكم ومفتٍ ولو فرض ارتفاع هذا النوع من الاجتهاد لم تتنزل الأحكام الشرعية على أفعال المكلفين إلا في الدين".
ثم يعقب أبو زهرة بقوله: وعليه فإن الأحكام الخاصة بالزكاة تعمم في كل ما يتحقق فيه العلة ويؤدي إلى أمر حق ويمنع أمراً ظالماً؛ لأنه يؤدي إلى المساواة العادلة بين الناس فلا يجب الزكاة في زرع من يملك فدادين ويعفى منها من يملك عمارة فخمة تدر عليه ربحاً فائضاً كبيراً، والأمر الظالم الباطل الذي يمنع فرض الزكوات على الأموال التي تدر مالاً كثيراً، ولم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. هو أن يفر الناس مما تجب فيه الزكاة إلى ما لا تجب، فتكون الكثرة الكاثرة في جانب من أبواب الكسب، والقلة في باب آخر. وربما كانت حاجة الأمة إليه أمس وأشد على ضوء هذه الحقائق المقررة. نقول: إن كل مال يتحقق فيه النماء والشروط التي ذكرها الفقهاء تجب فيه الزكاة، ولو لم يكن جاء به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن القياس ثابت في الفقه الإسلامي، وتطبيق موجب القياس ثابت في كل العصور والأزمان وهو نوع من الاجتهاد ولا يصح أن يخلو منه عصر من العصور ليمكن تحقيق علة النصوص تحقيقاً علمياً سليماً، وقد وجدت أموال في هذا العصر يجب أن نبين حكم الله فيها: مثل الأسهم والسندات ونحوها مما هو موضع للاتجار، أو يدل على حصص شائعة في شركات صناعية أو تجارية.
ويستطرد أبو زهرة فيقول: إننا عند بيان حكم هذه الأموال وأخذ الزكاة منها نتجه أيضاً إلى تحقيق المناط، ونطبق المنهاج الذي نهجه السلف الصالح في تفسير الأموال التي فرضت فيها الزكاة والتي لم تفرض فيها. ثم يقول: إن الأسهم والسندات إذا اتخذت للتجارة فإنها تكون عروضاً تجارية يجب فيها ما يجب في عروض التجارة من زكاة يقدر مقدار نصابها على حسب قيمتها ذهباً، والزكاة تؤخذ من الأصل والنماء. على حسب ما قرره جمهور الفقهاء. وإذا كانت تتخذ للاستغلال فإن الشركات التي تكون الأسهم ممثلة لجزء شائع فيها فإن دفع الشركة يغني عن دفع حامل السهم.