أما السندات فإن الزكاة تدفع من الفائدة التي تؤول إلى حاملها، ولو كانت للاتجار أخذت عنها زكاة عروض التجارة، فكأنه يؤخذ عنها زكاتان، زكاة نمائها من الفائدة وزكاة من الاتجار.
ثم يقول أبو زهرة: إننا لو أعفيناها من الزكاة لأدى ذلك إلى أن يقتنيها الناس بدل الأسهم وبذلك تنادي بالناس إلى أن يتركوا الحلال إلى الحرام. وإن زكاة الأسهم والسندات إذا كانت على أساس التجارة تكون ربع العشر كزكاة النقدين لأنها عروض تجارة، وقد بينا بأن نصابها وزكاتها كزكاة النقدين.
ثم يقول: وهذا ما نراه تطبيقا للسبب الذي استنبطه الفقهاء بالنسبة للأموال المنقولة، أما الأموال الثابتة، وتدخل فيها المصانع والشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم، فإننا نرى أنه ينطبق عليها ما اتبعه السلف بالنسبة للزروع والثمار وجوب أخذ الزكاة من الغلات على أساس أنه يؤخذ عشر صافي الغلات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض العشر في الزروع والثمار إذا سقيت بغير آلة، وفرض نصف العشر إذا سقي بآلة، وأنه تحسب النفقات التي أنفقت على الزرع كما قرره الفقهاء، ونطبق على غلات المصانع وما يشبهها، فنقول: إن الصافي يشبه إنتاج الزرع والثمر إذا سقي بغير آلة؛ لأنه خالص كالزرع الذي يروى بماء السماء أو من الأنهار، بل إن صافي الغلات يكون خالياً من كل نفقة الذي سقي بغير آلة، وهذا القدر من الزكاة يؤخذ من ذات الشركة التي تقيم المصنع أو من صاحب المصنع إذا لم يكن المصنع منشأ بشركة بل أنشئ بعمل الآحاد، وبذلك لا يكون على المساهمين زكاة لأنها احتسبت مما يؤول إليهم، فالغلة تجيء إليهم صافية، ولا زكاة في الأسهم حينئذ إلا إذا اتخذت كعروض للتجارة.
أما السندات فإن الزكاة تدفع عنها لأنها دين على الشركة وتجيئه الفائدة ولم تحسب في الزكاة؛ لأن ما يأخذه قدر معلوم لا يزيد ولا ينقص، وهو يؤخذ على كل ما كسبت الشركة أو خسرت". انتهى كلام أبي زهرة.
لقد أطلنا نفس القلم في إيضاح النظرة الفقهية الأصولية كضرورة اجتهادية لا بد منها لخلفية الموضوع المطروح. وعلى ضوء هذه النظرة الفقهية الأصولية نقول: إن كل مال يتحقق فيه النماء وتتوفر فيه الشروط تجب فيه الزكاة وجوباً شرعياً، ولو لم نجد نصاً على ذلك من الكتاب أو السنة؛ لأن القياس الشرعي مصدر من مصادر الأحكام الشرعية عند عدم النص، ومما لا شك فيه بأن الشركات المساهمة أموالها مغلة بالفعل، وأنها من الأموال التي لم تكن معروفة النماء والاستغلال في عهد سلفنا الصالح رضي الله عنهم، ولأنها معللة وليست تعبدية. ولهذا فإن القياس فيها معتبر كما أشار أبو زهرة رحمه الله.
وقد خلصت من اطلاعي على المذاهب الفقهية في الموضوع إلى رأيين: الرأي الأول منهما يميل إلى جعل أسهم الشركة المساهمة عروض تجارة وأنها تعامل في البورصة بالبيع والشراء وبالتالي يكون حكمها حكم عروض التجارة، تؤخذ الزكاة منها بقدر قيمتها في نهاية الحول الذي ملكت فيه وذلك كل عام حينما يحول عليها الحول.
وأنا لست مع هذا الاتجاه الفقهي لأنه لا يستند إلى قواعد الشريعة ولا إلى قياس صحيح. بل استند إلى كون أدوات إنتاج الشركة مالاً نامياً، وأنها ليست من الحاجات التي تعد لإشباع الحاجات الشخصية بذاتها وأن الفقهاء إذا لم يفرضوا زكاة في أدوات الصناعة في عصورهم فلأنها كانت أدوات أولية، وبالتالي لم تعتبر مالاً نامياً بذاتها؛ لأن الإنتاج فيها للعامل. إن هذا الاتجاه في نظري هو الاستحسان الذي ذمه الإمام الشافعي رضي الله عنه عندما قال "من استحسن فقد شرع".