للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أنشأ سوقًا تزاول فيه أعمال التجارة، أزال ما كان فيها من قبور , وحمى المراعي التي كانت مباحة للجميع على خلاف ما كان عليه الأمر قبل الإسلام من الحيازة القائمة على القوة والغلبة , وإنما جعل الحمى لمنفعة عامة المسلمين , روى الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((: لا حمى إلا لله ورسوله)) والمعنى الظاهر لهذا الحديث أن الحمى إنما هو لمنفعة عامة , لا تخص أحدًا , وإلى هذا المعنى ذهب أبو عبيد في كتاب الأموال , إذ قال: للإمام أن يحمي ما كان لله؛ مثل حمى النبي صلى الله عليه وسلم وحمى عمر , فهذا كله داخل في الحمى لله , وقد روى نافع , قال: عن ابن عمر ((, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين. والنقيع: موضع معروف بقرب المدينة.)) (١) , وحمى عمر رضي الله عنه الربذة والشرف لهذا الغرض , وهما موضعان بين مكة والمدينة , وقال: لولا النعم التي يحمل عليها في سبيل الله ما حميت على الناس شيئا من بلادهم أبدًا. قال أسلم: فسمعت رجلًا من بني ثعلبة يقول له: يا أمير المؤمنين، حميت بلادنا , قاتلنا عليها في الجاهلية، وأسلمنا عليها في الإسلام. يرددها عليه مرارًا، وعمر واضع رأسه , ثم إنه رفع رأسه , فقال: البلاد بلاد الله وتحمى , النعم مال الله، يحمل عليها وفي وسبيل الله (٢)

ومن ثم فإن لولي الأمر وهو ينوب عن الأمة في رعاية مصالحها ويدبر شؤونها قد يقتضي الأمر إلى أن يتدخل , وإن أدى ذلك إلى تقييد حرية الفرد تغليبًا لمصلحة الجماعة , فله عند ذلك أن يباشر من الإجراءات ما تتحقق بها تلك المصالح , وقد تتعدد صور هذا التدخل ومسوغاته في أوقات معينة وظروف معينة , ويمكن إرجاع هذه المسوغات إلى الصور التالية:

أولًا: فرض الأموال على القادرين لسد حاجة المحتاجين وأهل الخصاصات منهم إذا لم تف الأموال المرصودة لهذا الغرض.


(١) كتاب الأموال، ص ٤١٧.
(٢) كتاب الأموال، ص ٤١٨،٤١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>