للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبين في موضع آخر عندما تحدق الكوارث بالمسلمين وتنزل الشدائد بهم , فيقول: " فإذا تقرر ما ذكرناه , فالوجه عندي إذا ظهر الضر وتفاقم الأمر وأنشبت المنية أظفارها وأشقى المضرون , استشعر الموسرون أن يستظهر كل موص بقوت سنة , ويصرف الباقي إلى ذوي الضرورات وأصحاب الخصاصات (١) , وهو إنما جعل قوت السنة في حق الأغنياء فطنة عقلية لانجلاء الكارثة؛ ولأن في انقضاء السنة مدة الغلات وأمد الثمرات , وفيها تحول الأموال وتزول , وتعتقب الفصول , وقد جعل الشارع السنة ضابطًا ينتهى إليه فيما يبذله الموسر، وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يضع لنسائه في أوقات الإمكان قوت سنة (٢) .

ويعقد الإمام ابن حزم في كتابه المحلى في آخر كتاب الزكاة فصلًا يختم به كتاب الزكاة , قال فيه: وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم ولا في سائر أموال المسلمين , فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة (٣) ويستظهر مراجعه من نصوص الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ويستنبط من قول الرسول صلى الله عليه وسلم ((:المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)) . إن من ترك أخاه المسلم يجوع ويعرى وهو قادر على إطعامه وكسوته , فقد أسلمه. ويستدل بالحديث الذي رواه مسلم , عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((: من كان معه فضل ظهر , فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد , فليعد به على من لا زاد له)) . قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر , حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل. ثم عقب على ذلك بقوله: وهذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم , يخبر بذلك أبو سعيد , وبكل ما في هذا الخبر نقول. ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت , لأخذت فضول أموال الأغنياء , فقسمتها على فقراء المهاجرين ".


(١) غياث الأمم في التيات الظلم، ص ١٧٥، ١٧٦.
(٢) غياث الأمم في التيات الظلم ١٧٥، ١٧٦
(٣) المحلى ج٣، ص ٤٥٢،٤٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>