للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله تعالى: {أَمْوَالَكُمُ} , فإن معناها: أموالهم - أي: أموال السفهاء - التي في أيديكم (١) , وهذا يدل بلا شك - في اعتقادنا - أن المال وإن كان مملوكا لليتيم ومن في حكمه من السفهاء، فإنه عندما يصير معرضًا للضياع يعتبره القرآن مالا للجماعة , به قوامها، وعليه المدار في منعتها وقوتها , فيتعين على الأمة في مجموعها أن تحافظ عليه؛ لأنه وإن كان ملكًا خاصا , إلا أن حق الجماعة فيه ظاهر , لا ينكر.

أما عندما تزول هذه الظروف التي تعرض المال فيها للضياع , ويعود السفيه إلى رشده، ويصبح الصغير بالغًا عاقلًا رشيدًا , يعود ماله الخاص إليه. حيث يصير المال عندئذ في يد عاقلة رشيدة تنفقه في وجوهه المشروعة التي من شأنها تحقيق مصالح الفرد، وهذا بدوره يعود على المجتمع بالخير والرفاهية: {فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} .

فيا لروعة القرآن: حينما عبر عن المال المعرض للضياع بكلمة {أَمْوَالَكُمُ} ، أموال الجماعة التي يجب أن تحافظ على هذا المال؛ لأن الله تعالى جعله قوامها وعمودها الفقري الذي إن فرطت فيه ضاعت هيبتها , وكانت النتيجة وبالًا على المجتمع بأسره.

بيد أنه عند إيناس الرشد، يعدل القرآن إلى التعبير المناسب لمقتضى الحال؛ لأن كامل الرشد يتصرف في هذا المال، فكان في قوله سبحانه: {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} أعظم دلالة في المحافظة على الملكية الخاصة، وصيانة حقوق العباد صيانة كاملة غير منقوصة (٢)


(١) تفسير الجلالين مع المصحف الشريف، ص ١٠٢. ولهذا نظائر عديدة في أسلوب القرآن العظيم. مثل قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} . وقوله سبحانه: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} .
(٢) مبادئ الفقه الإسلامي للدكتور يوسف قاسم ص ٣٤٢ - ٣٤٤ طبعة سنة ١٤٠٣ هـ. دار النهضة العربية بالقاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>