للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك: بالنسبة للمال المملوك للغير، وهو محرم شرعا - كما أكدنا - لكنه في حالة الضرورة (١) يباح للمضطر أن يتناول من مال غيره القدر الذي ينقذ نفسه من الهلاك؛ لأن حرمة مال الغير أخف من حرمة النفس.

انتزاع الملكية للمنفعة العامة لا يباح إلا في هذه الحدود

ومن هذا القبيل انتزاع الملكية للمنفعة العامة. حيث لا يجوز مثل هذا الإجراء شرعًا إلا في هذه الحدود، أي: الحدود الضرورية اللازمة لتحقيق النفع العام، الذي لا يمكن تحقيقه إلا عن هذا الطريق. فلو أمكن الوصول إلى هذه المنفعة العامة دون المساس بحقوق الأفراد , فلا يجوز ذلك مطلقًا؛ لأن الشريعة تحرم المساس بحقوق العباد تحريمًا قاطعًا مؤبدًا. وكما جاء في الحديث الصحيح ((إلى أن تلقوا ربكم))

لكن ماذا نقول إن تعطلت مصالح العباد، وأصبح من المستحيل تحقيق هذه المصلحة أو المصالح إلا عن طريق التضحية بملكية بعض الأفراد تحملًا للضرر الأخف في سبيل تجنب الضرر الأشد المتمثل في تفويت المصلحة العامة للمجتمع في حين أن حق الفرد في ملكيته مضمون بالتعويض المناسب كما سيأتي تفصيله. وأيضًا فإن المبدأ الأول الذي سبق شرحه يأتي دوره هنا. فما دام المال مال الله، فلا يصح أن تعطل المصالح العامة لعباد الله مع مراعاة تعويض الأفراد عما يلحقهم من ضرر. وبهذا يتم التوفيق بين النوعين من الحقوق؛ حقوق الله وحقوق العباد.

هذا ما أردت بيانه في هذا الفصل: تأكيد حق الملكية الثابت شرعا للأفراد , وبيان الصلة بين هذه الملكية وبين المبدأ الثابت شرعًا وعقلًا , وهو أن المال مال الله، وبيان الحدود الضيقة التي يمكن فيها المساس بحق الملكية عملًا بقاعدة تحمل أخف الضررين، ومن هنا كانت إباحة انتزاع الملكية للمنفعة العامة. لكن ما هو المصدر الشرعي لهذا الحكم , أو ما هي ضوابط انتزاع الملكية للمنفعة العامة؟ هذا هو موضوع الفصل الثاني , وبالله تعالى التوفيق.


(١) للتوسع في هذا الموضوع، يراجع: نظرية الضرورة في الفقه الجنائي الإسلامي والقانون الجنائي الوضعي للدكتور يوسف قاسم. طبعة سنة ١٤٠١/ ١٩٨١ دار النهضة العربية بالقاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>