ولذلك كانت أهمية عرض الأمر على القضاء للتأكد من انتفاء كل البدائل أو كل الوسائل الأخرى، وصار من المتعين تحقيق هذه المنفعة عن طريق هذا المال المملوك لفرد من الأفراد.
فإذا ما ثبت لزوم المنفعة ولزوم ملك الغير لتحقيقها - وهذا كله لا يكون إلا أمام السلطة القضائية - وعند ذلك يجب النظر القضائي في الجانب الثالث.
الجانب الثالث: مدى عدالة التعويض:
ولا شك أن هذا الجانب هو المرحلة النهائية لإحقاق الحق والبعد عن الظلم. وليس هنالك أقدر من السلطة القضائية على تحقيق هذا الجانب الهام؛ لأن ولي الأمر من أعضاء السلطة التنفيذية مهما كان تدينهم وورعهم , إلا أنهم في الحقيقة إنما يحكمون أو يقدرون التعويض على أنفسهم لغيرهم. وهذا مما قد يتنافى مع الحياد الكامل، فكان من الواجب أن تقوم السلطة القضائية بتقدير هذا التعويض من حيث عدالته وجبر كل الأضرار التي قد تمس صاحب الحق من اتخاذ هذا الإجراء , وهو انتزاع الملكية للمنفعة العامة.
وقد سعدت كثيرًا عندما قرأت عبارة ابن عابدين رحمه الله: "زاد في البحر عن الخانية: بأمر القاضي، (١)
وبناء عليه فلم يكن إذن اقتراح أن يعرض الأمر على القضاء مجرد فكر معاصر يخشى من ظلم بعض الجهات واستبدادها بحقوق العباد , وإنما لهذا الشرط أصل فقهي ثبت عن علماء الشريعة رحمهم الله تعالى. مما يدعو إلى زيادة الاطمئنان.
والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.