ذكرنا تحت الضابط الأول أنه لا بد من التأكد من أن هذا المال المملوك للغير لازم بالضرورة لتحقيق مصالح العباد , وأنه الوحيد المتعين لذلك.
كما ذكرنا الضابط الثاني وهو لزوم التعويض العادل لصاحب الحق وتقدير هذين الأمرين ينبغي أن تقوم به سلطة محايدة حتى تتحقق العدالة الكاملة من هذين الوجهين. والسلطة المحايدة هي من غير شك السلطة القضائية.
لكل ما تقدم أرى - والله أعلم - أنه يجب على ولي الأمر قبل أن يقدم على هذا الإجراء - انتزاع الملكية للمنفعة العامة - أن يعرض الأمر على القضاء لينظر في الأمر من جميع جوانبه وعلى الأخص من الجوانب الثلاثة الآتية.
الأول: مدى أهمية المنفعة العامة المراد تحقيقها للمجتمع. فإذا ثبت أمام القضاء أنها غير ضرورية , فلا يصح التضحية بملك الأفراد، أو انتهاك حقوق العباد من أجل منفعة غير ضرورية.
وقد تكون المنفعة ضرورية , وتثبت أهميتها القصوى , ويثبت لزومها للعباد , ويتأكد القضاء من ذلك. غير أنه لا بد من التأكد من جانب آخر وهو الجانب الثاني.
الجانب الثاني: مدى لزوم ملك الغير لتحقيق المنفعة العامة.
لا يجوز اتخاذ مثل هذا الإجراء حتى عندما يتأكد القضاء من لزوم هذه المنفعة وضرورتها للعباد، إذ قد يثبت ذلك فعلا. ولكن قد تكون هنالك وسائل أخرى لتحقيق هذه المنفعة العامة بدون المساس بحقوق العباد، وهنا يكون انتزاع الملكية محرمًا؛ لأنه غير لازم حيث وجد البديل الذي لا مساس فيه بحق الغير , فيكون هذا الانتزاع ظلما.