ويظهر من كلام الماوردي وغيره من الفقهاء في هذا المجال أن قضاء المظالم يملك سلطات واسعة في مراقبة سلوك الحكام وأصحاب الجاه والنفوذ في تعاملهم مع الرعية، وذلك من أجل حمايتهم من كل أنواع الظلم وصنوف العدوان. هذا وقد بين الدكتور عبد الحميد الرفاعي في محاضراته في الحقوق الإدارية أن قضاء المظالم قد سبق بأشواط ما عليه القضاء الإداري اليوم في مراقبة تصرفات الدولة وذوي الجاه والسلطان: إن في تنظيماته، أو اختصاصاته أو أقضيته (١)
وقد تعرض الغزالي في كتابه (شفاء الغليل) إلى أنه لا يجوز للإمام مصادرة أموال المسرفين، ووضعها في بيت المال، وأوضح أن هذه المسألة لا يمكن أن تقاس على مسألة جواز توظيف ضرائب جديدة على أموال الناس إذا توافرت شروط جوازه، فقال: (فإن قال قائل:إذا رأى الإمام جمعا من الأغنياء يسرفون في الأموال ويبذرون ويصرفونها إلى وجوه من الترفه والتنعم وضروب من الفساد، فلو رأى المصلحة في معاقبتهم بأخذ شيء من أموالهم، ورده إلى بيت المال , وصرفه إلى وجوه المصالح، فهل له ذلك؟
(قلنا: لا وجه له، فإن ذلك عقوبة بتنقيص الملك وأخذ المال، والشرع لم يشرع المصادرة في الأموال عقوبة على جناية، مع كثرة الجنايات والعقوبات، وهذا إبداع أمر غريب لا عهد به، وليست المصلحة فيه متعينة، فإن العقوبات والتعزيرات مشروعة بإزاء الجنايات , وفيها تمام الزجر , فأما المعاقبة بالمصادرة , فليس من الشرع، وليس هذا كالمثال السابق - يقصد جواز توظيف ضرائب جديدة على أصحاب الأموال، فإن الأموال مأخوذة بطريق إيجاب الإنفاق منهم على جند الإسلام، لحماية مصلحة الدين والدنيا , لا بطريق العقاب ... ومسالك الإنفاق والإرفاق مقيدة من الشرع، أما المعاقبة بالمصادرة , فليس مشروعًا , والزجر حاصل بالطرق المشروعة , فلا يعدل عنها مع مكان الوقوف عليها.
ثم قال: فإنه قيل: روي أن عمر رضي الله عنه شاطر خالد بن الوليد على ماله حتى أخذ رسوله فردة نعله، وشطر عمامته.
(١) انظر محاضرات في الحقوق الإدارية - د. عبد الحميد الرفاعي: ص ٣٤ - ٣٥.