للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استدل الذين خالفوا في مشروعية الشفعة بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (١) وبقوله صلى الله عليه وسلم ((: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)) (٢) . ورد هذا الاستدلال بأن الشفعة قد ثبتت بعدد كبير من الأحاديث النبوية، فلا مجال للاجتهاد والقول بالرأي أمام النصوص الثابتة.

وقد رفض السرخسي في المبسوط مجرد القول بأن الشفعة ثابتة على خلاف القياس، فقال: (وزعم بعض أصحابنا رحمهم الله أن القياس يأبى ثبوت حق الشفعة؛ لأنه يتملك على المشتري ملكا صحيحًا له بغير رضاه، وذلك لا يجوز، فإنه نوع من الأكل بالباطل، وتأيد هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)) . ولأنه بالأخذ يدفع الضرر عن نفسه على وجه يلحق الضرر بالمشتري في إبطال ملكه عليه، وليس لأحد أن يدفع الضرر عن نفسه بالإضرار بغيره , ولكننا نقول: تركنا هذا القياس بالأخبار المشهورة في الباب.

(والأصح أن نقول: إن الشفعة أصل في الشرع، فلا يجوز أن يقال: إنه مستحسن من القياس، بل هو ثابت، وقد دلت على ثبوته الأحاديث المشهورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم (٣) . وبين ابن القيم في (إعلام الموقعين) أن مشروعية الشفعة أصل من الأصول المقررة في الشريعة، فقال: (من محاسن الشريعة وعدلها وقيامها بمصالح العباد ورودها بالشفعة، ولا يليق بها غير ذلك، فإن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن المكلفين ما أمكن، فإن لم يكن رفعه إلا بضرر أعظم منه بقاه على حاله، وإن أمكن رفعه بالتزام ضرر دونه رفعه به , ولما كانت الشركة تنشئ الضرر في الغالب، فإن الخلطاء يكثر فيهم بغي بعضهم على بعض، شرع الله سبحانه وتعالى رفع هذا بالقسمة تارة، وانفراد كل من الشريكين بنصيبه. وبالشفعة تارة، وانفراد أحد الشريكين بالجملة، فإذا لم يكن على الآخر ضرر في ذلك، فإذا أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه , كان شريكه أحق بدفع العوض من الأجنبي.


(١) النساء: ٢٩.
(٢) في تخريجه: انظر القسم الثاني من الملكية: ص ١٦٧.
(٣) المبسوط: جـ ١٤ ص ٩٠ وقارن الملكية ونظرية العقد لأبي زهرة: ص ١٤٥، حيث بين أن الفقهاء قد قرروا أن الشفعة تثبت على خلاف الأصل والقياس.

<<  <  ج: ص:  >  >>