للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويهمنا أن نشير هنا إلى المعيار الذي يضبط تدخل الحاكم المسلم في حريات الناس وملكياتهم , فقد بين بعض الباحثين أن مقياس تدخل ولي الأمر ما دام مسؤولا عن تنفيذ التكاليف الشرعية ينقبض وينبسط تبعًا لمستوى السلوك الخلقي السائد في الأمة، فإذا التزم الأفراد بتعاليم الإسلام الخلقية عن طواعية واختيار خفت مؤنة الدولة، وقلت حاجة ولي الأمر، إلى التدخل لإلزامهم بها، واذا هبط مدى تمسكهم بها كبر دور ولي الأمر في التدخل لحمل الأفراد على تنفيذها، هذا بالإضافة إلى الظروف الاستثنائية التي قد يتعرض لها المجتمع وتهدد كيانه. وبالتالي فإنه لا توجد قاعدة جامدة يتقيد بها ولي الأمر، تحدد مدى تدخله لتنفيذ تعاليم الإسلام الخلقية في تنظيم المجتمع، بما في ذلك ملكية المال , فهو له الحق في التدخل بكل ما يكفل تنفيذ التكاليف الشرعية، وأما كيف يكون التنفيذ فأمر تعالجه السياسة الشرعية في كل بلد إسلامي على ضوء ظروف هذا البلد وواقعه (١)

والواقع أن الأمر ليس إلا اجتهادًا في معرفة الحكم الشرعي في وضع حادث أو قضية مستجدة. والشريعة نظمت عملية الاجتهاد، وحددت وسائله، ووضعت القواعد التي بها يستنبط الحكم الشرعي للحوادث المستجدة، مما لست هنا بصدد تفصيله , وهو يرتبط بأدلة الأحكام الشرعية المختلفة، من كتاب وسنة وإجماع وقياس واستحسان ومصالح مرسلة وغيرها، ويعتمد على ما قررته الشريعة من قواعد لضبط عملية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.

وواضح أن الحوادث والقضايا المستجدة تختلف الأحكام فيها من حادثة إلى حادثة، ومن قضية إلى قضية، لاختلاف الظروف والأوضاع من حال إلى أخرى. وعليه فإن الشريعة قد وضعت القواعد الكفيلة بمعالجة كل ما يتعرض له المجتمع من قضايا ومشكلات , ومنهج الشريعة يقوم على معالجة المشكلة بعد وقوعها، وليس قبل وقوعها وفق نظر أساسه أن الإسلام نظام متكامل جاء لمعالجة مشكلات البشرية كلها بأنظمة متناسقة تتعاون جميعها في حل هذه المشكلات , ولكل حكم جزئي مكانه من البناء الإسلامي الكامل.


(١) الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد المعاصر د. محمد عبد الله العربي، المؤتمر الثالث، ص ٢٢٩ - ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>