ففي مذهب الحنفية قول أبي يوسف –وهو رواية عن أبي حنيفة - أن لبن المرأة إذا اختلط بلبن امرأة أخرى، فالحكم للغالب منهما، لأنها منفعة المغلوب لا تظهر في مقابلة الغالب، وهنا لا يدرى غالب من مغلوب.
والمعروف أن الشك في أمور الرضاع لا يترتب عليه التحريم، لأن الأصل هو الإباحة فلا ننفيها إلا بيقين.
قال العلامة ابن قدامة في المغني:
"وإذا وقع الشك في وجود الرضاع، أو في عدد الرضاع المحرم، هل كملا أو لا؟ لم يثبت التحريم، لأن الأصل عدمه، فلا نزول عن اليقين بالشك، كما لو شك في وجود الطلاق وعدده".
وفي "الاختيار" من كتب الحنفية:
امرأة أدخلت حلمة ثديها في فم رضيع، ولا يدري: أدخل اللبن في حلقه أم لا؟ لا يحرم النكاح.
وكذا صبية أرضعها بعض أهل القرية، ولا يدرى من هو، فتزوجها رجل من أهل تلك القرية، يجوز، لأن إباحة النكاح أصل، فلا يزول بالشك.
قال: ويجب على النساء ألا يرضعن كل صبي من غير ضرورة، فإن فعلن فليحفظنه، أو يكتبنه احتياطًا".
ولا يخفى أن ما حدث في قضيتنا ليس إرضاعًا في الحقيقة، ولو سلمنا بأنه إرضاع فهو لضرورة قائمة، وحفظه وكتابته غير ممكن، لأنه لغير معين، وهو مختلط بغيره.
والاتجاه المرجح عندي في أمور الرضاع هو التضييق في التحريم كالتضييق في إيقاع الطلاق، وللتوسيع في كليهما أنصار.