للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يبحثوا ذلك فحسب بل بحثوا أيضًا موضوع رضاع الكبير وهل يسبب التحريم أم لا؟ كما بحثوا السعوط والحقنة.

ولا تتجه النية هنا إلى استعراض أقوال الفقهاء في هذا الباب فهو باب طويل من أبواب الفقه ويهم الفقهاء تفاصيله، وما يهم الإنسان العادي الذي ليس من أهل الفقه مثلي هو مجمل أقوالهم في القديم والحديث.

معنى الرضاع:

يقول الشيخ يوسف القرضاوي (١) : "أما معنى الرضاع الذي رتب عليه الشرع التحريم فهو عند جمهور الفقهاء ومنهم الائمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي: كل ما يصل إلى جوف الصبي عن طريق حلقه مثل الوجور وهو أن يصب اللبن في حلقه، بل ألحقوا به السعوط وهو أن يصب اللبن في أنفه بل بالغ بعضهم فألحق الحقنة عن طريق الدبر بالوجور والسعوط.

وخالف في ذلك كله الإمام الليث بن سعد، معاصر الإمام مالك ونظيره، ومثله الظاهرية وهو إحدى الروايتين عن أحمد، فقد ذكر العلامة ابن قدامة عنه روايتين في الوجور والسعوط:

الأولى: وهي أشهر الروايتين عنه والموافقة للجمهور هي أن التحريم يثبت بهما، أما الوجور فلأنه ينبت اللحم وينشز العظم فأشبه الإرضاع، وأما السعوط فلأنه سبيل لفطر الصائم فكان سبيلًا للتحريم بالرضاع كالفم.

الرواية الأخرى:

أنه لا يثبت بهما التحريم لأنهما ليسا برضاع.. ورجح صاحب المغني الرواية الأولى بحديث ابن مسعود عن أبي داود ((لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم)) ، وخلاصة رأي ابن حزم والظاهرية أن الرضاع لا يطلق إلا على ما امتصه الراضع من ثدي المرضعة بفمه فقط قال ابن حزم في المحلى: (٢) "وأما صفة الرضاع المحرم فإنما هو ما امتصه الراضع من ثدي المرضعة بفمه فقط، فأما من سقى لبن امرأة فشربه من إناء أو حلب في فمه فبلعه أو أطعمه بخبز أو طعام أو صب في فمه أو أنفه أو في أذنه أو حقن به، فكل ذلك لا يحرم شيئًا ولو كان ذلك غذاؤه دهره كله، برهان ذلك قول الله عز وجل {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)) فلم يحرم الله تعالى ولا رسوله في هذا المعنى نكاحًا إلا بالإرضاع والرضاعة والرضاع فقط، ولا يسمى إرضاعًا إلا ما رضعته المرأة المرضعة من ثديها في فم الرضيع يقال: أرضعته ترضعه إرضاعًا ولا يسمى رضاعة ولا رضاعًا إلا أخذ المرضع أو الرضيع بفيه الثدي وامتصاصه إياه، تقول رضع يرضع رضاعًا ورضاعة، وأما كل ما عدا ذلك مما ذكرنا فلا يسمى شيء منه إرضاعًا ولا رضاعة ولا رضاعًا، إنما هو حلب وطعام وسقاء وشرب وأكل وبلع وحقنة وسعوط وتقطير، ولم يحرم الله عز وجل بهذا شيئًا.


(١) ندوة الإنجاب للدكتور يوسف القرضاوي ص ٥٠ - ٥٧
(٢) المحلى لابن حزم ج ١٠ / ٧ طبعة دار الفكر المسألة ١٨٦٦

<<  <  ج: ص:  >  >>