للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي بداية الأمر وضعت تحت أجهزة الإنعاش وظل تنفسها بالمنفسة وتدخل الأبوان وقسيس الأسرة وطلبوا من المستشفي والأطباء إيقاف الأجهزة طالما أنه لا يوجد أي أمل في عودتها إلى الوعي ذلك لأن دماغها قد مات أو بالأحرى معظم دماغها الذي يشمل المخ والمخيخ ماعدا أجزاء من جذع الدماغ ظلت حية. ورفضت إدارة المستشفي طلب الأبوين.. وتقدما إلى المحكمة.. وكانت أول قضية من نوعها في الولايات المتحدة بل وفي العالم وأثارت ضجة كبرى ظلت محل اهتمام أجهزة الإعلام والأطباء والقضاة.

وبعد مداولات بل واستفتاء للرأي العام قررت المحكمة العليا حق المريض أو المريضة المصاب إصابة خطيرة كهذه في دماغها بحيث لا يرجى برؤها.. ولا تعود لها بها حياة إنسانة.. قررت المحكمة حق المريض في الموت بكرامة.. وذلك في شهر مارس ١٩٧٦.

وبعد أن أوقفت أجهزة الإنعاش بأمر المحكمة في مايو ١٩٧٦ استمرت كارين آن كونيلان في حياتها النباتية لمدة عشرة سنوات تقريباً وهي تعيش على التغذية بالمحاليل.. وعلى أجهزة الأنعاش من حين لآخر ... وأخيراً في ١٣ يونية ١٩٨٥ انتقلت الى العالم الآخر فتاة أصيبت بنوبة من الإغماء بعد حفلة خمر وحبة فاليوم. وهي في عمر الزهور وقد حدث لها الإغماء عندما كانت في الواحدة والعشرين.. وفي الواحدة والثلاثن عاماً توفاها الله بعد أن أصيبت بالتهاب رئوي أصيبت بمثله وشفيت منه عشرات المرات أثناء غيبوبتها الطويلة.

كما أن مراكز الوعي منبثة ف شبكة الدماغ الأوسط Reticular formation of mid وتصاب هذه المراكز باصابات بالغة في الحالات التي يحدث فيها إغماء طويل مثلما حدث لكارين آن كونيلان ودسيسليا بلاندي.

وإذا تغير نشاط مناطق الوعي هذه فإن الإنسان يصاب بالنوم ... ورغم أن عملية النوم لا تزال مجهولة في تفاصيلها إلا أنه بات من المعتقد أن النوم يبدأ عندما ينخفض نشاط هذه المراكز في الدماغ الأوسط.

وإذا تغير النشاط في هذه المناطق حدث نوع من الصرع يفقد فيه المريض وعيه ثم يصحبه بعد ذلك تشنج في العضلات نتيجة سريان النشاط الكهربائ الشاذ المفاجئ من الدماغ المتوسط الى مراكز الحركة.

وهناك نوع من الصرع آخر يعرف بأسم صرع جاكسون Jacksomian يبدأ من مركز حركي فتتحرك الإبهام اليسرى مثلاُ ثم تتحرك اليد ثم الذراع ثم العضد ثم الشق الايسر بأكملة ثم يفقد المريض الوعي وينتابه صرع وتشنجات للجسم بأكمله.

وسبب هذا النوع من الصرع هو موجات كهربائة طارئة على منطقة قشرة الدماغ في المخ Cerebrum لوجود ورم أو ندبة في منطقة محدودة. ثم يسري النشاط الكهربائي من المنطقة الحركية المحدودة في الدماغ حتى تصل الى منطقة الوعي وهي شبكة الدماغ الممتدة الى الدماغ الأوسط.

وهناك فرق كبير بين حالة الإغماء وبين حالة النوم.. ففي حالة النوم العميق يمكن أن يوقظ الشخص إما بصوت عال أو بتحريكة أو بوخزه.. أما في حالة الإغماء فإن الصوت العالي والضوء القوي والتحريك واللمس والوخز لا يؤثر في الشخص ولا يجعله يخرج من حالة الإغماء بل لا يبدو عليه أي إحساس نحو هذه الؤثرات إلا بدرجة طفيفة جدا.

ولذا فإن نوم أهل الكهف الطويل الذ جعله الله معجزة لهؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم وفروا من ملكهم الطاغية الى الكهف إن نوم هؤلاء الفتية لمدة ثلاثمائة وتسعة أعوام ليس نوعاً من الإغماء ولا نوعاً من الموت بل هو نوم طبيعي ولا غرابة أنه بلغ هذه الأحقاب المتطاولة.. وقد قص علينا رب العزة قصتهم في سورة الكهف قال تعالى {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} .

ثم قال تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} .

وحالة النوم هذه هي همود لنشاط مراكز الوعي في الخلايا الشبكية في الدماغ الأوسط، وإذا تنبهت هذه الخلايا عادت الى نشاطها السابق.

ولا نريد ها هنا الدخول في متاهات النظريات عن النوم فهي خارجة عن موضوعنا، ولكن أحببنا توضح فكرة موجزة عنها للتفريق بينها وبين الإغماء.

والإغماء الطويل الذي يمتد أشهرا وسنيناً متطاولة هو نوع من الموت يفقد فيه الشخص المصاب حياته الإنسانة وتبقى له حياته النباتة ... ومع هذا فإن الشرع والطب والقانون يحتم في هذه الحالة اعتبار مثل هذا الشخص حيا ... له حقوق الحياة كاملة.. وكل من يتعدى على هذه الحياة يعتبر مسؤلا فإن قتلها شخص اعتبر قاتلا مهما كان الغرض من وراء قتله حتى لو سمى ذلك قتل الرحمة.

فإن هذا الشخص لا يخاطب بالتكاليف الشرعية لفقدان وعيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>