للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن دراسة الجدوى المقدمة من المضارب، والبيانات التي بنيت عليها هذه الدراسة، وهي تتضمن الربح المتوقع من المشروع، والتي أشار إليها في نشرة الإصدار تعد قرينة قوية على بطلان دعوى الخسارة المجردة عن الدليل، وهنا يحكم عليه بضمان الربح المعلن في دراسة الجدوى حتى يقدم هو الدليل على الخسارة التي يدعيها، ويثبت أن ما ورد في الدراسة لم يتحقق لسبب لا يد له فيه، ولظروف طارئة لم يكن من الممكن توقعها أو قياس نتائجها. وقد مثل المالكية للقرينة بقولهم (بأن سأل رب المال تجار بلد تلك السلع هل خسرت في زمان كذا أولا، فأجابوا بعدم الخسارة) [الشرح الكبير للدردير ٣: ٥٣٦] .

جاء في الشرح الكبير للدردير: والقول للعامل في دعوى تلفه كله أو بعضه، لأن ربه رضيه أمينا، وإن لم يكن أمينا في الواقع، وهذا إذا لم تقم قرينة على كذبه وإلا ضمن، وفي دعوى خسره بيمين ولو غير متهم على المشهور إلا لقرينة تكذبه.. فيغرم بمجرد نكوله لأنها دعوى اتهام (الشرح الكبير للدردير ٣: ٥٣٦) .

هذه هي حدود مسؤولية المضارب أو القائم على إدارة المشروع الذي صدرت صكوك المضاربة لتمويله، وتلك هي أسباب ضمانه لهلاك رأسمال المشروع أو خسارته. وفي خارج هذه الحدود لا يحكم على المضارب بالضمان باتفاق الفقهاء، وهذا هو العدل الذي جاءت به الشريعة، فالمضارب قد دخل في شركة مع رب المال، وكانت حصته في هذه الشركة عمله وعلمه وخبرته، وكانت حصة رب المال هي رأسماله، وقد اتفقا على توزيع الربح الناتج عن المضاربة على أساس مساهمة كل حصة في إنتاج هذا الربح، أي العمل ورأس المال على نحو استقلا بتقديره دون قيود من الشارع ثم قررت الشريعة أن كلا من المضارب ورب المال مسؤول في حدود حصته دون زيادة، فرب المال يسأل في حدود حصته، فلا يخسر أزيد من رأسماله، والمضارب يسأل في حدود حصته، فلا يخسر إلا جهده وخبرته. فإذا حدث هلاك أو خسارة لا يد للمضارب فيها فليس من العدل أن يتحمل وحده تبعة هذا الهلاك، أو تلك الخسارة. أما إذا تعدى أو فرط أو خالف حكما من أحكام العقد أو شرطا من شروطه فإنه يسأل عن ذلك، ويضمن رأس المال والربح، باعتبار ذلك جزاء عمله غير المشروع الذي أدى إلى الهلاك أو الخسارة. وقد رأينا أن المالكية يقدمون القرائن على دعوى المضارب ويحكمون بتضمينه إذا قامت قرائن تكذب دعواه.

<<  <  ج: ص:  >  >>