للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – هذه المسألة الخلافية مع بيان ما يختاره بقوله:

(من قال: هي (أي المضاربة) إجارة بالمعنى الأعم أو العام فقد صدق، ومن قال هي إجارة بالمعنى الخاص فقد أخطأ) (١) وبعد أن ناقش – رحمه الله – الأحاديث الواردة في المزارعة والمساقاة حيث انتهى إلى جواز كل منهما باعتبارهما من نوع الشركة، راح يكشف الغطاء عن المسألة كلها في ختام الكلام عن العموم والخصوص في لفظ الإجارة قائلا: ( ... ولهذا جوز أحمد سائر أنواع المشاركات التي تشبه المساقاة والمزارعة، مثل أن يدفع دابته أو سفينته أو غيرهما إلى من يعمل عليها والأجرة بينهما) (٢) .

وقد أوضح ابن القيم المسألة من ناحية ما قال به شيخه ابن تيمية بعدم وجود أمر في الشريعة على خلاف القياس حيث قال (بأن من قالوا بأن المضاربة – وما شاكلها – واردة على خلاف القياس قد ظنوا أن هذه العقود من جنس الإجارة؛ لأنها عمل بعوض، والإجارة يشترط فيها العلم بالعوض والمعوض، فلما رأوا العمل والربح في هذه العقود غير معلومين قالوا: هي على خلاف القياس، وهذا من غلطهم، فإن هذه العقود من جنس المشاركات لا من جنس المعاوضة المحضة التي يشترط فيها العلم بالعوض والمعوض، والمشاركات جنس غير جنس المعاوضات وإن كان فيها شوب المعاوضة) (٣) .

وفي ضوء هذه السعة والسماحة المميزة في مذهب الإمام أحمد بن حنبل في ميادين العقود والشروط، كان الفقهاء الحنابلة قادرين على تصحيح العديد من حالات التعاقد التي اعتبروها مشاركات جائزة بينما لم يتمكن غيرهم من مباراتهم بسبب ما هم مقيدون به من نظر متحفظ باعتبار أن المضاربة نفسها عندهم هي استثناء وارد على خلاف القياس وأن الأصل فيها هو القول بعدم الجواز.

لذلك نجد صاحب المغني قد أورد العديد من الاتفاقات التي لها صفة المشاركة الجائزة عند الحنابلة حيث يقول في ذلك بكل وضوح:

( ... وإن دفع رجل دابته إلى آخر ليعمل عليها، وما يرزق الله بينهما نصفين أو ثلاثا، أو كيفما شرطا صح.. وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قمصانا يبيعها وله نصف ربحها بحق عمله جاز ... ) (٤) .


(١) انظر ابن تيمية، القواعد النورانية الفقهية صفحة ١٧٠
(٢) انظر ابن تيمية، القواعد النورانية الفقهية، صفحة ١٨٤
(٣) انظر ابن القيم، أعلام الموقعين، الجزء الأول، الصفحات ٣٨٤ – ٣٨٥
(٤) انظر ابن قدامة، المغني، الجزء الخامس، الصفحات ٧- ٨

<<  <  ج: ص:  >  >>