وهذا الذي قاله بعض أصحاب المذاهب وأخذت به بعض القوانين في شأن الأوقاف، كان سببا للاستيلاء على الأوقاف مع طول المدة، أو احتكار منافعها وحرمانها من أخذ الأموال الهائلة بدل خلوتها التي آلت إلى واضعي الأيدي عليها، وحصل الإضرار بها، وأقل ذلك ما تحمله الأوقاف من تكاليف المنازعات القضائية التي تذهب بالقليل الذي قد يتبقى من غلائها، وباء بإثمه من أفتى بذلك إن كان فعله للهوى. ولو أنهم التزموا بالقاعدة الشرعية في الإجارة الحرة من انقضاء حق المستأجر بانقضاء المدة التعاقدية لكان للأوقاف في العالم الإسلامي اليوم شأن آخر. والله المستعان. فما يأخذه المستأجرون من بدل الخلوات في الأوقاف بدعوى حق القرار المدعى في هذه الصورة الثالثة وفي رأيي من السحت الذي أكلت به حقوق الأوقاف، وأدت إلى بطلانها وانقضاء منافعها واستيلاء أهل الفساد عليها والله أعلم.
ففي رأينا أن إذن الواقف أو الناظر لا يعطي للمستأجر حق القرار ما لم ينص عليه وكان الوقف مضطرا إلى ذلك لأجل لإعماره.
أما إن لم يكن وضع الكدك بإذن صريح من الواقف أو الناظر على الوجه المتقدم (١) فقد قيل أيضا يثبت بذلك حق القرار للمستأجر. وذلك واضح البطلان.
ويمكن أن تحل مسألة الحاجة إلى استقرار المستأجر المدة التي يراها كافية لصناعته أو تجارته بطريق الإجارة الطويلة. والله أعلم.
(١) أي عند اضطرار الوقف إليه لأجل إعماره، بأن لم يوجد للوقف مال يعمر به، ولم يوجد من يستأجره على حاله من التخرب، ولم يوجد من يتبرع بإقراضه، ولم يمكن استبداله بوقف ذي ريع، ولم يرض أحد باستئجاره إجارة طويلة بأجرة مقدمة يمكن إعماره بها. فإن كان الأمر كذلك جاز الإذن من الناظر بوضع الجدك من المستأجر بشرط القرار، وإثبات الخلو. وإن لم يكن كذلك لم يجز وحرم اتفاقا ولو رضي المستأجر بشرط القرار، وإثبات الخلو. وإن لم يكن كذلك لم يجز وحرم اتفاقا ولو رضي المستأجر بأجر المثل، قال ابن عابدين (٣/ ٣٩٩) (من أفتى بأنه (أي المستأجر) إن قبل الزيادة العارضة يكون أولى بالاستئجار من غيره فذلك مخالف لما أطبقت عليه كتب المذهب من متون وشروح وحواش وفيه الفساد وضياع الأوقاف حيث إن بقاء أرض الوقف بيد مستأجر واحد المدة الطويلة يؤدي إلى دعوى تملكها مع أنهم منعوا من تطويل الإجارة في الوقف خوفا من ذلك) .