للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإسلام ربط بين الدين والأخلاق، فلا انفصام بينهما ولا انفصال، فمن لا خُلُق له لا دِينَ له، ومن لا دين له لا خلق له. فجعل الإيمان بالله وعاء الأخلاق. وفرق بين الأخلاق والتقاليد. فالأخلاق ثابتة ومتصلة بالقيم العليا، لأنها من صنع الله.. وأما التقاليد: فهي وسائل عارضة، وتختلف وتتغير مع تغير الزمان لكونها من صنع البشر ...

ولا شك أن فكرة الالتزام الخلقي هي العنصر الأساسي الذي تدور عليه القيم الأخلاقية، فإذا زالت فكرة الالتزام يضيع جوهر الحكمة العقلية والعملية التي تهدف الأخلاق إلى تحقيقها، وإذا انعدم الالتزام انعدمت المسؤولية حتما، وإذا انعدمت المسؤولية ضاع كل أمل في وضع الحق في نصابه وإقامة العدالة ... وهذه النتيجة واضحة في واقع المجموعة البشرية الآن إلا ما ندر، فالأخلاق قد فقدت الالتزام من المجتمع إلا ممن قل وندر فانعدمت المسؤولية والأمانة والإحسان والعفة.. فضاع الأمل في إصلاح سلوك الناس عند كثير من المفكرين.

المبحث الثالث: مصدر الأخلاق ومنشؤها:

قيل إن الأخلاق تكونت من تجمع جماعة ما من الجماعات البدائية، حيث تكونت لدى هؤلاء البدائيين مبادئ أربعة هي أصول الأخلاق وأمهاتها. وهي:

١- منع القتل في القبيلة الواحدة: فقالوا: إن من قتل فردا من أفرادها هدد بالانتقام من شبيه القتيل. وهذا الشبيه هو (العفريت، أو الهامة) ، العقاب اللازم. وتنتقم الروح لصاحبها شر انتقام، فتصب على القبيلة الجوائح حتى تثأر لها.

٢- منع السفاح: فقالوا: إن علاقة الرجل بالمرأة لا بد لها من حفل كبير، تجتمع فيه الأسرتان –أسرة الزوج والزوجة- عند شيخ من شيوخ القبيلة. ويترتب على تلك العلاقة تبادل شيء من ممتلكاتهما.. وأن كل علاقة تتم بغير هذه الطريقة تعتبر سفاحا. وهي جريمة لها عقوبة شديدة حيث تهدد القبيلة كلها في كيانها.. فتصب بها الصواعق والرعود والرياح اللافحة، فتصيب الزرع والضرع، وتستمر تلك المصيبة حتى يتم القبض على المجرم.

٣- منع السرقة: فلا يتعدى أحد على ما في يد غيره من مال، خوفا من العقوبة المنتظرة التي ستهدد القبيلة كلها. وكانوا يضعون علامة على المنزل الذي فيه مال أو الحديقة، ليعلم كل من سولت له نفسه أن يسرقه أن المكان مقدس ومحروس. فمن مس هذا المال أو أخذ منه شيئا ليسرق، فإنه يتعرض للهلاك وتتعرض قبيلته للتهلكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>