للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واهتم بظاهرة الحلقات الدورية الكاتب الفرنسي (فرنان برودل F.BRAUDEL.) فأخرج عام ١٩٧٩ موسوعة اقتصادية كبرى بعنوان: (الحضارة المادية، الاقتصاد والرأسمالية) رجع فيه بالتحليل إلى القرون الوسطي واستنتج أن شؤون المجتمع الإنساني قد خضعت لتوجيهات (TRENDS) دورية على رأس كل مائة سنة، فلاحظ حلقات كبرى إحداها فيما بين ١٢٥٠ و١٣٥٠م. وأخرى فيما بين ١٥٠٧ و١٦٥٠، وثالثة فيما بين ١٧٣٣ و١٨١٧، ورابعة فيما بين ١٨٩٦ و١٩٧٤.

وكان (أوزفالد سبلنجر Oswald splenger) قد وضع في ١٩٤٨ تأليفا عن (أفول نجم الغرب) (Le Declindet L`occid Ent) ارتأى فيه أن لكل واحدة من حضارات الإنسان عمرا متوسطا لا يزيد عن الألف عام، وأن الحضارة الغربية التي بدأت مع الألفية الثانية من التاريخ الميلادي بالغة أوجها وآخذة في الانحدار مع خاتمة هذه الألفية الثانية.

إنما استطردنا في مثل هذه المقدمات العمومية تمهيدا للنظر في أوضاع العالم الإسلامي لهذا العصر في بدايات القرن الخامس عشر وخواتم القرن العشرين، فأين نحن اليوم من بناء المستقبل المشترك الذي يضمن للأمة الإسلامية النجاة من الغرق مع الحضارة المادية الغربية، أو يحفزها للانضمام إلى تيار النهضة الإنسانية التي يري المفكرون أن بعضها سيقوم على أيدي الأمم الشرقية الآسيوية، وستنشيء الحضارة الصفراء الجديدة بديلة من الحضارة الغربية البيضاء؟

وهل للأمم الإسلامية من مستقبل ضمن هذه النهضة عن طريق التوحد وتراص الصفوف؟

التضامنات الموضوعية:

أول ما يترتب عن هذه المقدمات السابقة هو الترابط المتين في الظروف القائمة وفي المفاهيم الحضارية السائدة بين الأمم الإسلامية وبين المجموعة الإنسانية قاطبة.

فليس للشعوب التي تدين بالإسلام في أفريقيا ولا في آسيا ولا في غيرها من أمصار المعمورة من انفراد وتميز في أنواع البنية السياسية باختياراتها ومؤسساتها، وليس لها من استقلال التصرف في مواردها الاقتصادية، استخراجا وتحويلا وتسويقا وتمويلا، ولا واحدة من الشعوب بمعزل اليوم وغدا عن أمواج الغزو الفكرى، ولا عن عوامل الاستيلاب الثقافي، أو مظاهر التبعية في شتى شؤون الحياة: الفكرية والعلمية والتكنولوجية، بالإضافة إلى التبعيات المادية في ميادين الكفاية الغذائية، وتمويل الاستثمارات، وترويج الإنتاج، وفي عامة أنماط التنمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>