الأصل الرابع: جعل الكتاب والسنة محور الدراسة ومصدر التشريع:
لا بد أن تعود المكانة الكبيرة للكتاب والسنة، فقد كانا محور الدراسة والتعليم والتشريع، ولا يجوز استبدالها بآراء الرجال، ولا يجوز إلغاؤهما بحجة أن الفقه الذي دونه الأئمة يكفى في هذا الجانب.
ليس معني ذلك أننا نلغي فقه الأئمة فذلك وهم، بل نري أن فقه الأئمة هو محاولة دائبة لفقه الكتاب والسنة، فنحن ندرس الكتاب والسنة، وندرس كيف فَقِهَ علماؤنا النصوص، واستنبطوا منها الأحكام، أما الفقه المجرد الذي لا يصطبغ بالكتاب والسنة، فإنه يبعدنا عن النبع الأصيل. ولا يجوز إقصاء الكتاب والسنة عن دائرة الدراسة والفقه، بحجة أن ذلك مهمة المجتهد وحده، ولا شك أن هذا مزلق خطر، فإن الذي يدرس الكتاب والسنة لن يكون عالما بهما، ولكن ليس كل من درس آيات وبضع أحاديث أصبح عالما يحق له الإفتاء.
إن مثل العالم وطالب العلم مثل الطبيب ودارس الطب، فطالب الطب يعطي العلم الذي يؤهله لعلاج الناس وإجراء العمليات الجراحية لهم ولكنه لا يؤذن له في العلاج وإجراء العمليات في السنة الأولى التي يدرس فيها الطب، غير أنه يترقى في ذلك حتى يحصل قدرا صالحا من العلوم الطبية، ثم يتدرب على أيدي المتخصصين من الأطباء الكبار، ثم يمارس مهنة الطب، وقد يواصل دراسته وتنمو خبرته بعد ذلك حتى يستقل في بعض القضايا وتصبح له نظرة اجتهادية يستقل بها عن غيره، ولو منعنا طلاب الطب بعد تخرجهم عن العلاج والممارسة لما كان هناك أطباء كبار.
وعالم الشريعة عليه أن يدرس الشريعة من مصادرها، وأن يتفقه في هذا الدين، ويدرس العلوم الخادمة لعلم الشريعة ومن ذلك علم اللغة العربية، ثم لا يزال يترقى في هذا المجال حتى يبلغ مبلغ العلماء المؤهلين. وهذا الطريق ليس بالطريق الصعب المستحيل، ولذلك لا يجوز صد الناس عن السير في طريق العلم الشرعي، كما لا يجوز لمن كان في البدايات أن يُنَصِّبَ نفسه عالما ومفتيا.