للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن المسلم لا يقف عند حد الكفر بالطاغوت، بل يتعدى ذلك إلى مصارعة الطاغوت ومغالبته وإقصائه عن مشاركة الله في حكمه {الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} . (١)

والطواغيت هم الذين نصبهم الناس، أو نصبوا أنفسهم آلهة ينازعون الله في حكمه، فالقول قولهم والأمر أمرهم، وكلمتهم هي العليا، وشرعهم هو المتبع، وقد يصل الحال إلى السجود لهم وعبادتهم، والله لا يرضى أن يشاركه أحد في حكمه {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} . (٢) ، أي لا يرضي أن يشاركه أحد في حكمه، وفي القراءة الأخرى: {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} . (٣) ، أي لا تشرك أيها المؤمن مع الله غيره في حكمه، والقراءتان معناهما متلازم، وقد جعل الإسلام التحاكم إلى غير شرع الله تحاكما إلى الجاهلية {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} . (٤) . وحكم على الذين لا يحكمون شرعه المنزل ودينه العظيم بالكفر والظلم والفسق {ووَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ.... فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.... فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} . (٥)

هذه القضية (الحكم لله) عقيدة عند المسلمين، ولا يمكن تحقيق هذه العقيدة إذا بقيت مقاليد الحكم في عالم البشر بأيدي الطواغيت: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} . (٦) .

إننا لا نستطيع تحقيق الإيمان إلا بإقامة دولة الإسلام التي تقيم شرع الله في كل شئون الحياة.

وعقيدتنا تجعل الإيمان بالرسالات السماوية وخاتمها الإسلام دافعا إلى إقامة الدولة الإسلامية، ذلك أن طبيعة هذا الدين توجب إقامة الدولة الإسلامية، لأن هذا الدين منزل من عند الله العلي القدير، والله لا يرضى أن تسود مناهج البشر وشرائع البشر عالَمَ البشر ويقصى دينه وشريعته، لقد أنزل الله دينه من أول يوم ليكون هو الأعلى {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} . (٧) . وقد قرر الحق أن طبيعة هذا الدين تأبى أن يخفت صوته، وتطمس معالمه، وتعلوه كلمة البشر {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} . (٨) . وأوجب على المسلمين الجهاد والقتال حتى ترتفع كلمة الله، وتكون الدينونة لله الواحد الأحد {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} . (٩) .


(١) النساء: (٧٦)
(٢) الكهف: (٢٦)
(٣) الكهف: (٢٦)
(٤) المائدة: (٥٠)
(٥) المائدة: ٤٤، ٤٥، ٤٧
(٦) النساء: (٦٥)
(٧) التوبة: (٣٣)
(٨) التوبة: (٤٠)
(٩) البقرة: (١٩٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>