للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنا أعلم أن الصعوبات هائلة والعقبات كثيرة، واقتحامها لا يكون بمؤتمر يعقد، ولا اجتماع يتبادل فيه الرأي، ولا بمحاضرة تلقى، ولكننا مع ذلك كله ننادي بإقامة هذه الدولة، ونوقن أن أبناء الإسلام الذين رضوا بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا سيقدمون الثمن، ثمن إقامة الدولة الإسلامية، وهذا الذي سيقدمونه ليس أمرا مندوبا إليه، يمكن أن يقوم به المسلمون كما يمكن أن يغضوا الطرف عنه، فالعقيدة الراسخة في أعماق قلوبنا، والتي تشكل فينا قاعدة الدين الذي رضينا به، كما تعتبر بحق أساس الإسلام والإيمان لا ترضى أن نعيش هكذا من غير راع يرعى المسلمين، ولا دولة تنتظم أمورهم، وتحرسهم، وترفع صوت الله لتسمعه العالم أجمع، إن عقيدتنا تقول لنا: إن الله هو حاكم هذا الكون، الكون كله: أرضه وسمائه، بره وبحره، حيوانه ونباته، نجومه وشمسه وقمره، وكذلك هو الحاكم للتجمعات البشرية فوق ظهر الكرة الأرضية، والفرق بين البشر وغيرهم أن البشر يتحاكمون إلى شرع الله باختيارهم، أما بقية الكائنات فإنها لا تستطيع أن ترفض أمر الله، فالله يريدنا أن نتخذه إلها وربا وحاكما ونرضى بذلك، ونخضع لعظمته ونرضى بشريعته، لأنه خالقنا ورازقنا ومحيينا ومميتنا، وإليه مآبنا، فهو المستحق لأن يجعل حاكما، والله لا يرضى منا حتى نقيم دولة الإسلام التي تسلم مقاليد الحكم إلى الذين يجعلون التشريع لله تعالى، وتنبذ الطواغيت والظلمة الذين اعتدوا على سلطان الله ونازعوه في حكمه وقضائه، وقد قرر الإسلام بصورة واضحة هذه القضية {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} . (١) .

فالحكم لله والعبادة لله، ولا تجوز منازعة الله في حكمه، ولا يجوز صرف شيء من ذلك لغير الله، فالإيمان بالله يقتضي تحكيم شرع الله، ونبذ حكم الطواغيت والكفر بها {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} . (٢) .

فكل من ادعى الإيمان بالله فعليه أن يكفر بالطاغوت، فإن ادعى أنه مؤمن وهو يرضى بحكم الطاغوت فقد تناقض في دعواه، ووقف موقفا يتعجب منه، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} . (٣)


(١) يوسف: (٤٠)
(٢) البقرة: (٢٥٦)
(٣) النساء: (٦٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>