تحدثنا فيما سبق عن المكانة الفضلى التي رفع الله إليها هذه الأمة بدينه المنزل ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، ثم بينا كيف انحطت هذه الأمة عن مكانتها بسبب فرقتها، وعقبنا على ذلك بالحديث عن الوحدة التي يمكن أن تعيد للأمة الإسلامية عزتها من جديد. ولكن يبقى أمر في غاية الأهمية، وهو الحديث عن الطريق التي تؤدي إلى بناء الأمة الإسلامية من جديد.
وأول ما يتبادر إلى الذهن في هذا هو الطريقة التي سلكها الرسول (صلى الله عليه وسلم) في بناء الأمة الإسلامية، والعالم بسيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) يجد أنه عليه السلام كان يعنى بالدعوة إلى الله في وسط الكفار، فمن استجاب منهم لاحقه بالتربية والتقويم حتى يصبح لبنة صالحة، وكان هؤلاء يشكلون فيما بينهم وحدة مترابطة متعاونة، تعلم أن مهمتها هي تغيير مجرى الحياة الإنسانية، ولقد أوذيت هذه الفئة أذى شديدا وعذبت في دين الله، وهجرت الأوطان للبحث عن مكان آمن يقيهم الطغيان. وفي هذا الوقت أخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم) يبحث عن مكان صالح لإقامة دولة الإسلام، فكان يعرض دعوته على القبائل مطالبا إياهم بنصره وحمايته حتى يبلغ دعوة الله، وكانت المهمة شاقة وصعبة، ولكن الله هدى بعض أهل يثرب إلى الإيمان بدعوة الإسلام، وانتشر فيهم الإسلام وهاجر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحبه إلى المدينة، وكانت هذه الهجرة إيذانا بميلاد الأمة الإسلامية، وقيام دولة الإسلام الأولى، وهنا تحول المضطهدون الصابرون على الظلم والأذى إلى مقاتلين، يدفعون الشرك والمشركين بالكلمة كما يدفعونهم بالسيف والرمح، ولم يزل شأن الدولة الإسلامية يعلو حتى هيمن الإسلام على العالم كله، وأطاح بعرش كسرى، وأسقط تاج قيصر، وكان الدين لله.
واستمر الوجود السياسي الممثل في الخلافة الإسلامية قائما، كلما سقطت رايته في جانب من جوانب العالم قام في جانب آخر، وكان العلماء والدعاة يسددون الحكام ويقومونهم، وكان الحكام يقتربون من الإسلام ويبتعدون عنه بنسب متفاوته ولكن الإسلام بقي باستمرار هو الدين الوحيد المهيمن على حياة المسلمين، والشريعة الإسلامية هي القانون الذي يتحاكم المسلمون إليه.