وآخر كيان سياسي جامع للمسلمين هو الدولة العثمانية التي انهارت على أيدي اليهود والصليبيين في الربع الأول من القرن العشرين، وكان انهيارها نتيجة محتمة في سنة الله، ذلك أنها أصيبت بأمراض وعلل كثيرة جعلتها ضعيفة في مواجهة أعدائها، ولو بقيت قوية قوة الجبال الرواسي لما عصفت بها الفتن، ودمرتها الرياح.
لا يكفي في تقويم الدولة العثمانية أن يدلل الباحثون على أن حكامها كانوا صالحين، وأن آخرهم وهو السلطان عبد الحميد كان مخلصا للإسلام، فهناك علل في الأمة كلها وفي السلطان نفسه تجعل استمرار تلك الدولة في الوجود مخالفا لسنة الله التي سنها في عباده.
لقد كانت تلك الدولة تمثل الإسلام، ولكن في الإسلام الذي كانت تمثله دخنا كثيرا في العقائد والسلوك والعلاقات، ودخل الترف حياة الحكام وأغرقوا فيه، وتزلزلت أركان العدل في كثير من ولايات الدولة الإسلامية وانتشرت الفرق الصوفية التي جعلت الإسلام عبارة عن أذكار ورقص وأكل وقعود عن الجهاد، وكان القائمون على الدولة لا يجاهدون لإعادة الأمة الإسلامية إلى المستوى الراقي الذي يحققه الالتزام بالإسلام، بل كان الحكام في كثير من الأحيان يعاقبون المصلحين الذين يحاولون إصلاح الفساد الذي غرقت فيه الأمة الإسلامية.
فكانت سنة الله تقضي بأن تنهار هذه الدولة، وعلى الرغم من المأساة الكبرى التي حلت بالمسلمين بسبب انهيارها، إلا أن هذا الانهيار كان ضروريا لا بد منه، واليوم وقد مر على انهيار الخلافة نصف قرن تقريبا ننظر إلى ما أصاب المسلمين في هذا النصف من المآسي والبلايا فنألم، ولكننا نرى من خلال الآلام والمآسي روحا بدأت تسري في الأمة الإسلامية تهدف إلى إعادة مجد الإسلام وعزه من جديد. وشكلت هذه الروح تيارا إسلاميا ناميا، وقد أصبح هذا التيار واضحا ظاهرا، وسر هذا التيار الإسلامي نفوس الموحدين، وأقر أعينهم وساء هذا التيار أعداء الإسلام فارتفعت عقيدتهم محذرة من الخطر الداهم، والمارد الذي بدأ يتململ في قيوده، وهو يوشك أن يخرج من محبسه ويفك أغلاله. ولكن هذا التيار لم يبلغ مبلغا يعيد فيه عزة الإسلام، وينهض بالأمة إلى المستوى الذي كانت تتبوؤه، ولا يزال العلماء والمفكرون المسلمون منذ سقوط الخلافة وإلى اليوم مختلفين في الطريقة التي نعيد بها عز الإسلام ومجده.