للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندما زالت الخلافة في تركيا، ظن بعض الأخيار أنه يكفي أن ينصب حاكم من حكام المسلمين خليفة كي تعود المياه إلى مجاريها، ويأخذ القوس باريها والسهم نابله، وغفل هؤلاء عن أن الذين أسقطوا الخلافة كانوا لا يزالون يسيطرون على مقاليد الأمور وهم لا يسمحون بإعادة الخلافة مرة أخرى بعد أن بذلوا جهودا هائلة غير مشكورة في هذا السبيل.

وبعض دعاة الإسلام ظن أنه يمكن أن يخدم الإسلام ويقيم بناءه إذا انضوى تحت لواء القيادات التي تهمين على مقاليد الحكم في دياره، وفي سبيل تحقيق هذا تنازل عن شيء من الإسلام، فقصر دعوته على الصلاة والصوم والزكاة والحج وبعضا من أخلاق الإسلام، وأعرض عما لا يوافق أهواء أولي الأمر، وهذا ركون للظالمين، وتضييع للإسلام وقد حاول الكفار جاهدين أن يحرفوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن المنهج الذي دعا إليه، بحيث يتفقون معه على حل وسط، فجاءه الوحي من السماء محذرا: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} . (١) . وفي هذا أنزل الله {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} . (٢) .

وقام في الأمة علماء ومصلحون، وظن هؤلاء أن نشر العلم والتفقيه في الإسلام وبيان المشكلات التي تحيط بالأمة الإسلامية كاف في إعادة مجد الإسلام وعزه، وغفل هؤلاء عن أن الذين يفقهون ويتعلمون ويعرفون من المسلمين يبقون أوزاعا متفرقين لا يشكلون تيارا يصارع الباطل والطغيان.

وقام آخرون بإنشاء الصحف الإسلامية والمجلات الإسلامية، ويحاول آخرون إنشاء إذاعات إسلامية، ومهما انتفع الناس بما تكتبه الصحف والمجلات، وما تبثه الإذاعات، فإن الفائدة محدودة؛ لأن الذين لا يريدون للمسلمين أن يفقهوا هم أصحاب الكلمة في الديار التي أنشئت فيها هذه الصحف والمجلات والإذاعات، وهؤلاء يحجبون كلمة الحق، ويمسخونها، ثم إن الذين يتأثرون بذلك كله لا يشكلون وحدة فيما بينهم، وبذلك تبقى قوتهم مشتتة متفرقة، لا تستطيع أن تهدم بناء معارضا للإسلام، كما لا تستطيع إقامة بناء الإسلام. وأفضل الرواد هم الذين تنبهوا إلى أن الخطوة الأولى في إقامة صرح الأمة الإسلامية من جديد تتحقق بإقامة تجمع يؤمن بهذه القضية، يسعى في سبيل تحقيقها باذلا في ذلك النفس والمال.


(١) الإسراء: (٧٤- ٧٥)
(٢) هود: (١١٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>