وأما الدوائر الأخرى التي تحيط بالموضوع أو تكتنفه فنعتقد أنه لا بد من الإحاطة بها من باب العلم أولا، ثم من باب ضبط خطانا إزاء خطى الآخرين في هذا العالم المتلاطم، حتى إذا رأينا أننا وغيرنا نسير في ظاهر الأمر في اتجاه واحد لم يصرفنا ذلك عن الحذر فقد يكون التوافق الظاهر مرحليا رغم الاختلاف الكبير في المصدر وفي الغاية فما ينبغي أن نسلم أنفسنا إلى التيار أو نقع ضحايا للاستدراج.
وأود في البداية أن أشير إلى أن الإباحة الشرعية ليست هي المصفاة الوحيدة التي يستعملها المسلم وهو يقرر ما يأخذ أو يدع، فالحرام بطبيعة الحال ينبغي اجتنابه ولكن ماذا عن الحلال؟ وهنا نقول إن رقعة الحلال واسعة بحكم أن الأصل في الأشياء الإباحة، وأن الفرد المسلم والمجتمع المسلم كل منهما مطالب بأن ينظر في المباحات العديدة فيختار أنسبها وأصلحها وأوفاها بمقتضى الحال، وهذا قد يتغير بتغير الزمان والمكان والظرف المطروح والظروف المحيطة ولا غرابة في ذلك، فما ألبسه في بيتي قد لا يصلح أن ألبسه في عملي، وكلاهما حلال، وسنجد أن لذلك تطبيقاته في موضوع منع النسل وتنظيمه، وقديما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين، وقديما نهى عمر عن زواج جند العرب الفاتحين من نساء الروم مع أنه في الشرع مباح.
خلال عملي الطبي في اختصاص أمراض النساء والتوليد، وصفت وأجريت كل طرائق تحديد النسل.. ويا طالما شرحت وأطنبت بين مريضاتي أو بين طلابي وطالباتي عن المخاطر الصحية التي تتعرض لها النساء غزيرات الإنجاب وذلك علميا صحيح، وقناعتي أن منع الحمل في ذاته ليس حراما، ولكن هل معنى ذلك أن أكتفي بإجابة مبسطة عن سؤال بسيط هو حلال أو حرام، أو أن أكتفي بأن الاعتبار الطبي هو المرجع الوحيد فيما ينبغي للناس أن يأخذوا أو يدعوا؟ لا لأن شواهد العصر ترينا بوضوح أن بين الحروب المستعرة في عالمنا هذا حربا تسمى الحرب الديموغرافية.. تلك التي تهدف إلى تغيير الأنماط السكانية في منطقة من المناطق فتجعل الأغلبيات أقليات والأقليات أغلبيات وتستعين على ذلك بأسباب ووسائل منها التبشير بمزايا تحديد النسل وسوق الناس إليه.