للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعا: الذرية منحة من الله تعالى ينظمها بحكمته، ويوزعها على الخلق بتدبيره:

قال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (١) .

يقول ابن العربي قال علماؤنا: "يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا" يعني لوطا، كان له بنات ولم يكن له ابن {وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} يعني إبراهيم، كان له بنون ولم يكن له بنت، وقوله {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} يعني آدم، كانت حواء تلد له في كل بطن توأمين ذكرا وأنثى، ويزوج الذكر من هذا البطن من الأنثى من البطن الآخر، حتى أحكم الله التحريم في شرع نوح صلى الله عليه وسلم وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم كان له ذكور وإناث من الأولاد – القاسم والطيب والطاهر، وعبد الله (٢) وزينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة، وكلهم من خديجة رضي الله عنها، وإبراهيم من مارية القبطية.

ثم يقول: "وكذلك قسم الله الخلق من لدن آدم إلى زماننا هذا، إلى أن تقوم الساعة، على هذا التقدير المحمود بحكمته البالغة ومشيئته النافذة، ليبقى النسل، ويتمادى الخلق، وينفذ الوعد ويحق الأمر، وتعمر الدنيا، وتأخذ الجنة وجهنم كل واحدة ما يملؤها ويبقى، ففي الحديث: إن النار لن تمتلئ حتى يضع الجبار فيها قدمه (٣) ، فتقول قط قط، وأما الجنة فيبقى منها فينشئ الله لها خلقا آخر"، ثم يقول: إن الله تعالى لعموم قدرته وشديد قوته يخلق الخلق ابتداء من غير شيء، وبعظيم لطفه وبالغ حكمته يخلق شيئا من شيء لا عن حاجة، فإنه قدوس عن الحاجات سلام عن الآفات، كما قال القدوس السلام، فخلق آدم من الأرض، وخلق حواء من آدم، وخلق النشء من بينهما منهما مرتبا على الوطء، كائنا عن الحمل، موجودا في الجنين بالوضع، فالخلق والذرية تكون بتقدير من العزيز العليم، يوزعها على الخلق بتدبيره وبحكمته ويخص بها من يشاء من خلقه، ليبقى النسل، ويتمادى الخلق، وينفذ الوعد ويحق الأمر وتعمر الدنيا".


(١) الآيتان ٤٩- ٥٠ من سورة الشورى
(٢) وفي المواهب اللدنية: القول الأصح أن الذكور الثلاثة: القاسم وعبد الله (ويسمى بالطيب والطاهر) وإبراهيم راجع شرح المواهب اللدنية) .
(٣) قال القسطلاني: "أي يذللها تذليل من يوضع تحت الرجل، والعرب تضع الأمثال بالأعضاء، ولا تريد أعيانها، كقولها للنادم: سقط في يده"

<<  <  ج: ص:  >  >>