شاءت إرادة الله تعالى أن يكرم الإنسان ويفضله على كثير من خلقه فكان من إكرامه وتفضيله أن نظم له طريقة إشباع غريزته، وطريقة تكاثره وتناسله حتى يعمر الكون، ويتواصل، وتتوالي الأجيال جيلا بعد جيل، كما أوضحنا آنفا.
فكان أن جعل الوسيلة إلى ذلك – هي عقد الزواج- الذي جعله عبادة، لما فيه من تحقيق هدف المشرع الحكيم كما جعله عقدا – فوضع له القواعد والضوابط الموضوعية وكذا الشكلية التي بها يتم تحقيق الهدف الذي شرع من أجله، فجعله عقدا رضائيا، يتم بإرادة الزوجين ورضاهما، وجعل العشرة بين الزوجين قوامها المودة والبر والرحمة والمعروف.
وكما نظم المشرع الحكيم كل شئون هذا العقد، كذلك أحاط ثماره – وهم الأولاد – بالرعاية والحفظ والصيانة منذ اللحظة الأولى لبدء تكوين الجنين.
وبين للزوجين حدود السلطة الممنوحة لهما إزاء هذا الجنين – سواء كان ذلك قبل التقاء الحيوان المني بالبييضة، أو بعد التقائهما.. وحتى خروجه من بطن أمه خلقا سويا، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وإذا كان موضوعنا الذي نتحدث عنه هنا هو "تنظيم النسل وتحديد عدده" فإننا نتناول هذا الموضوع طبقا للمنهج التالي:
أولا: آراء الفقهاء في عدم الإنجاب:
تناول الفقه الإسلامي بيان الحكم فيما لو أراد الزوجان أو أحدهما عدم الإنجاب رغم مواصلة المعاشرة الجنسية بينهما، وذلك من خلال بحث موضوع " العزل عن الزوجة أثناء الجماع" حيث إنه الصورة التي سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكمها والتي كانت هي المعروفة أو المشهورة في هذا الوقت لمنع الإنجاب، ويمكن أن يقاس عليها كل الوسائل التي عرفت حديثا والتي ستعرف ما دامت لا تؤدي إلى الإضرار بأي من الزوجين، ولا يؤدي إلى قتل الجنين في مرحلة من مراحله.