للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كانت دعوى النسخ هذه تحتاج إلى معرفة المتقدم من الأدلة والمتأخر، أي معرفة تاريخ ورود كل من النصين، ونظرا إلى أنه لم يعرف هذا التاريخ، لذلك كانت دعوى النسخ غير واردة، وتسقط.

ومنهم من جعل حديث جذامة هو المتقدم، وأنه كان على وفق ما عليه أهل الكتاب، قال الطحاوي: يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الأمر أولا من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أعلمه الله تعالى بالحكم، فكذب اليهود فيما كانوا يقولونه.

وقد تعقب ابن رشد وابن العربي هذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحرم شيئا تبعا لليهود، ثم يصرح بتكذيبهم فيه.

وأيضا يمكنني أن أقول: إن قوله (يحتمل أن يكون ... ) لا يصلح أن يكون هذا الاحتمال طريقا لجعل حديث جذامة هو المتقدم.

ب - مسلك الترجيح باعتبار السند:

من بين العلماء من رجح حديث جذامة بثبوته في الصحيح، وضعف حديث أبي سعيد بالاختلاف في إسناده والاضطراب.

قال الحافظ: ورد – على هذا – بأنه إنما يقدح في حديث لا فيما يقوي بعضه بعضا، فإنه يعمل به، وهو هنا كذلك، والجمع ممكن.

ومنهم من ضعف حديث جذامة لمعارضته ما هو أكثر منه طرقا (١) .

وقد رد على هذا، فقال الحافظ: وهذا دفع للأحاديث بالتوهم، والحديث صحيح لا ريب فيه، والجمع ممكن.

جـ- مسلك الجمع بين الحديثين:

سلك البيهقي مسلك الجمع بين الحديثين، فحمل حديث جذامة على الكراهة التنزيهية ومثله قاله الطحاوي (٢) ويقول الصنعاني "ونوزع ابن حزم في دلالة قوله صلى الله عليه وسلم ((ذلك الوأد الخفي)) على الصراحة بالتحريم للوأد المحقق الذي هو قطع حياة محققة، والعزل وإن شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم به، فإنما هو قطع لما يؤدي إلى الحياة، والمشبه دون المشبه به، وإنما سماه وأدا لما تعلق به من قصد منع الحمل ".


(١) قال الشوكاني "وقد ضعف أيضا حديث جذامة – أعني الزيادة التي في آخره – بأنه تفرد بها سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود، ورواه مالك ويحيى عن أبي الأسود، فلم يذكراها، وبمعارضتها لجميع أحاديث الباب، (التي استدل بها على الإباحة) وقد حذف هذه الزيادة أهل السنن الأربع "
(٢) سبل السلام جـ٣ ص١٦٨

<<  <  ج: ص:  >  >>