للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجمع ابن القيم بينهما فقال "الذي كذب فيه صلى الله عليه وسلم اليهود هو زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلا، وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد، فأكذبهم، وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه، وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة، وإنما سماه وأدا خفيا في حديث جذامة، لأن الرجل إنما يعزل هربا من الحمل، فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد، لكن الفرق بينهما: أن الوأد ظاهر بالمباشرة، اجتمع فيه القصد، والعزل (١) يتعلق بالقصد فقط، فلذلك وصفه بكونه خفيا، وهذا الجمع قوي.

فحديث جذامة حمل على التنزيه وتكذيب اليهود لأنهم أرادوا التحريم الحقيقي، وحمل تكذيب اليهود على أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلا، كما قاله ابن القيم آنفا، ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم ((كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطاعت أن تصرفه)) أي أنه تعالى إذا قدر خلق نفس فلا بد من خلقها، وأنه يسبقكم الماء فلا تقدرون على دفعه، ولا ينفعكم الحرص على ذلك، فقد يسبق الماء من غير شعور العازل لتمام ما قدره الله.

وقد أخرج أحمد والبزار من حديث أنس، وصححه ابن حبان أن رجلا سأل عن العزل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((لو أن الماء يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدا)) وله شاهدان في الكبير للطبراني عن ابن عباس وفي الأوسط له عن ابن مسعود.

ومن كل هذا يترجح لنا رأي جمهور الفقهاء في أنه يباح العزل عن الزوجة الحرة إذا أذنت في ذلك، ويحرم إذا لم تأذن.


(١) ورد في الشوكاني كلمة (والفعل) ولكن المعنى لا يستقيم فلعله خطأ مطبعي

<<  <  ج: ص:  >  >>