للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن عزل، فقد اختلف العلماء في إباحته، وكراهته على أربعة مذاهب:

فمن مبيح مطلقا بكل حال، ومن محرم بكل حال، ومن قائل يحل برضاها، ولا يحل دون رضاها، وكأن هذا القائل يحرم الإيذاء دون العزل، ومن قائل يباح في المملوكة دون الحرة، ثم يقول "والصحيح عندنا – أن ذلك مباح – وأما الكراهية فإنها تطلق لنهي التحريم، ولنهي التنزيه، ولترك الفضيلة، فهو – أي العزل – مكروه بالمعنى الثالث أي فيه ترك الفضيلة، كما يقال يكره للقاعد في المسجد أن يقعد فارغا لا يشتغل بذكر أو صلاة، ويكره للحاضر في مكة مقيما بها ألا يحج كل سنة، والمراد بهذه الكراهية: ترك الأولى والفضيلة فقط، وهذا ثابت لما بيناه من الفضيلة في الولد، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل ليجامع أهله فيكتب له بجماعه أجر ولد ذكر قاتل في سبيل الله فقتل (١) وإنما قال ذلك لأنه لو ولد له مثل هذا الولد لكان له أجر التسبب إليه، مع أن الله تعالى خالقه ومحييه ومقويه على الجهاد والذي إليه من التسبب قد فعله، وهو الوقاع، وذلك عند الإمناء في الرحم.

وإنما قلنا لا كراهة بمعنى التحريم والتنزيه، لأن إثبات النهي إنما يكون بنص أو قياس على منصوص، ولا نص، ولا أصل يقاس عليه، بل ههنا أصل يقاس عليه، وهو ترك النكاح أصلا، أو ترك الجماع بعد النكاح، أو ترك الإنزال بعد الإيلاج، فكل ذلك ترك للأفضل وليس بارتكاب نهي، ولا فرق، إذ الولد يتكون بوقوع النطفة في الرحم، ولها أربعة أسباب: النكاح، ثم الوقاع، ثم الصبر إلى الإنزال بعد الجماع ثم الوقوف لينصب المني في الرحم، وبعض هذه الأسباب أقرب من بعض، فالامتناع عن الرابع كالامتناع عن الثالث، وكذا الثالث عن الثاني، والثاني كالأول. وليس هذا كالإجهاض والوأد، لأن ذلك جناية على موجود حاصل، وله أيضا مراتب، وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم، وتختلط بماء المرأة، وتستعد لقبول الحياة، وإفساد ذلك جناية، فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح، واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا، ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيا.


(١) وعلق عليه العراقي بقوله "هذا الحديث لم أجد له أصلا"

<<  <  ج: ص:  >  >>