للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: وفي الصحيح أخبار صحيحة في الإباحة (أي إباحة العزل) وقوله ((الوأد الخفي)) كقوله ((الشرك الخفي)) وذلك يوجب كراهة لا تحريما.

فإن قلت: فقد قال ابن عباس "العزل هو الوأد الأصغر" فإن الممنوع وجوده به هو الموءودة الصغرى.

قلنا: هذا قياس منه لدفع الوجود على قطعه (١) ، وهو قياس ضعيف، ولذلك أنكره عليه علي رضي الله عنه لما سمعه، وقال: لا تكون موءودة إلا بعد سبع، أي بعد سبعة أطوار، وتلا الآية الواردة في أطوار الخلقة، وهي قوله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: ١٢، ١٣] . إلى قوله {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ} أي نفخنا فيه الروح ثم تلا قوله تعالى في الآية {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: ٨] .

وإذا نظرت إلى ما قدمناه في طريق القياس والاعتبار ظهر لك تفاوت منصب علي وابن عباس رضي الله عنهما في الغوص على المعاني ودرك العلوم، فكيف وفي المتفق عليه في الصحيحين عن جابر أنه قال: ((كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل)) وفي لفظ ((كنا نعزل فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا)) وفيه أيضا عن جابر أنه قال: إن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية هي خادمتنا وساقيتنا في النخل، وأنا أطوف عليها، وأكره أن تحمل. فقال عليه الصلاة والسلام: ((اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها)) فلبث الرجل ما شاء الله، ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حملت، فقال: ((قد قلت سيأتيها ما قدر لها)) كل ذلك في الصحيحين (٢) اهـ الغزالي.


(١) أي قاس العزل – الذي يترتب عليه دفع وجود الولد – على الوأد، الذي يترتب عليه قطع الوجود
(٢) هو في مسلم فقط – العراقي جـ٢ ص٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>