وما كادت أصداء مقالته هذه تنتشر في ربوع أوروبا، حتى كتب الباحث الفرنسي فرنسيس بلاس Francis Palace مقالًا ينادي فيه بدعوة مالتوس، ويؤكد فيه ضرورة الحد من تزايد السكان. وبعد حين ظهر في أمريكا مقال للطبيب المشهور تشارلس كنورتون Charles Knorotton يؤيد فيه الفكرة ذاتها مقدمًا اقتراحاته ضمن آراء وتدابير طبية يمكن الاستفادة منها.
وسرعان ما لقيت هذه الدعوة رواجًا في الأوساط المختلفة، وصادفت من الغرب المقبل على بحر من التحلل لا شاطئ له ولا قرار، تربة صالحة، ووجد الباحثون عن اللذة والهاربون من مغارم المسئولية في الاستجابة لها ما يحقق بغيتهم ويعينهم على تحقيق أهدافهم وهذا شيء متوقع من أناس هذه هي حالهم.
ولكن لابد أن نتساءل: هل صدقت قواعد العلم، أو هل صدق الواقع الممتد من أواخر القرن الثامن عشر إلى أواخر القرن العشرين، شيئًا من تصورات مالتوس؟ وأحسب أن قرنين من الزمن فيهما فرصة كافية للكشف عن حقيقة هذه النبوءة.. نبوءة تناقص وسائل الرزق عن عدد الأناسي الذين أحصاهم مالتوس في خياله الممتد إلى آفاق الزمن المقبل.
إن الذي أثبتته الدراسات العلمية الموضوعية، ودلت عليه تجارب الأمم ووقائع الأزمنة والتاريخ، نقيض ما قد تصوره مالتوس ومن انساقوا وراء افتراضاته، فلنشرح ذلك بالقدر الذي يتناسب وطبيعة هذا البحث، على أن نبدأ قبل كل شيء، فنستجلي حكم هذه المسألة في الميزان الشرعي، فقد كانت حقائق العلم ولا تزال لاحقة بحكم الشرع وخاضعة له، ذلك لأن حكم الشرع ليس إلا قرار خالق العلم وقواعده ومحال أن يقع بينهما أي تناقض أو تشاكس.