للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دليل حرمة ذلك أنه يدخل تحت ما يعد تغييرًا لجانب ذاتي من خلق الله عز وجل، وليس للإنسان أن يستقل بشيء من هذا التغيير، يقول الله عز وجل مبينًا ما أخذه إبليس على نفسه من بذل كل جهد لإغواء الصفوة من عباده: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} (النساء: ١١٨ - ١١٩) .

ومن أجل ذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التنميص وتزجيج الحاجبين وتفليج الأسنان والوشم، إذ كل ذلك داخل في مسمى التغيير الذاتي، بخلاف ما يدخل في معنى التهذيب والعناية كحلق الشعر والعناية به، وقص الأظافر وتكحيل العين ونحو ذلك.

وقد علمنا أن استئصال الشهوة الجنسية أو وسيلة القدرة على الإنجاب من أوضح أمثلة التغيير الذاتي لخلق الله، وقد حذر البيان الإلهي منه كما قد رأينا.

ولكن قد يرد علي ما قلناه السؤال التالي:

أرأيت لو أن طبيبين عادلين مختصين قررا أن فلانة من الناس يعرضها الحمل لخطر موت غالبي أو مؤكد، وأن ذلك يعود إلى حالة مرضية، الشأن أن تلازمها حتى الموت، ألا يجوز لها في هذه الحالة ربط البوقين، وهي معالجة تمنع الحمل منعًا دائمًا؟

مقتضى القواعد الفقهية أن يجوز لها الإقدام على هذا العمل استثناء من القاعدة العامة لاسيما وأن مرضها الطارئ قد تولى هو تغيير جانب ذاتي في حياتها إذ أفقدها القدرة على تحمل أعباء الحمل، فكان الربط الذي أقدمت عليه انسجامًا مع واقع التغيير الذي ابتلاها الله تعالى به. وكم من فرق بين هذه المرأة وتلك التي تتمتع بصحتها التامة وواقعها السوي، فتقدم على اجتثاث قابلية الحمل وأسبابه، لا شك أن هذه الثانية دون الأولى هي التي يصدق عليها أنها قد غيرت من خلق الله، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>