ثم إن أكثر الذين يتبنون الدعوة إلى ما يسمونه بـ (تنظيم النسل) وهي تسمية ملطفة عن الحقيقة التي هي – تحديد النسل – يتذرعون بأسباب ومقتضيات جزئية يلملمونها من هنا وهنك، ليقيموا عليها دعوتهم الكلية العامة هذه.
فهم يذكرون من هذه الأسباب والمقتضيات مثلًا ما قد تتعرض له المرأة أو بعض النساء من أوضار صحية مختلفة، إذا ما تلاحق الحمل بالحمل دون فاصل زمني كاف لإعادة المرأة الأم إلى نشاطها ومناعتها الصحية، أو ما قد يتعرض له الطفل من أمراض وأضرار بسبب الحمل المبكر الذي من شأنه أن يصرف الأم كليًا أو جزئيًا عن إمكانية منحه الرعاية الكافية، أو ما قد تفاجأ به الحامل من أوضاع صحية، وربما نفسية واجتماعية تقتضيها التخلص من حملها.. يذكرون أمثلة من هذا القبيل، ثم يتخذون منها حجة لقيامهم بحملة مركزة عامة في صفوف الناس جميعًا تهدف إلى حملهم على الإقلال من النسل ما أمكن، وخفض نسبة الكثافة السكانية فيهم بصورة عامة، أي بقطع النظر عن أي عارض من العوارض الجزئية ونحن نقول في تعليقنا على هذا الشكل، بل الطريقة من الاحتياج.
أولًا: ليس ثمة أي تناسب منطقي بين الاحتجاج بالوقائع الجزئية والقصد إلى توجيه الناس عمومًا نحو العمل على إقلال النسل ومقاومة الكثافة السكانية.
إن المشكلات الجزئية إنما يتم التغلب عليها بالحلول الجزئية المتعلقة بها، أما زعم السعي إلي القضاء عليها ضمن تيار عام من التغيير والتحويل، فإنه لا يمكن إلا أن يجر معه مشكلات أخرى أكثر عددًا وأشد خطورة وأهمية من تلك المشكلات الجزئية المتناثرة التي استعمل ذلك التيار العام للقضاء – فيما زعموا – عليها.
ثانيًا: إن كلًا من المنطق والشريعة الإسلامية قد تكفل بحل سائر المشكلات الجزئية التي قد تظهر في أي أسرة، مما يتعلق بأمر الحمل والإنجاب وقضايا الصحة والتربية ونحو ذلك. أجل فقد تكلفت الشريعة الإسلامية بحل ذلك، كما قد رأينا في الوقت ذاته الذي يدعو عامة الناس إلى الإكثار من النسل وإلى مسابقة الأمم الأخرى في هذا المضمار.