فقد علمنا أن الشريعة الإسلامية لا تمنع من اتفاق الزوجين على اتخاذ وسيلة وقائية ما لمنع الحمل، بالشروط التي أوضحناها، غير أن من المعلوم أيضًا أن هذا الحكم ليس إلا رخصة رخص الله بها لعباده، ليستعينوا بها في حل مشكلاتهم الجزئية العارضة، ومن ثم فإن هذه الرخصة لا تخلو من الكراهة التنزيهية في أكثر الأحيان. وهي في الحقيقة ليست إلا ذيلًا وتتميمًا للحكم الأساسي العام الذي تنهض عليه الحكمة الكبرى من ربط كل من الجنسين بالحياة الزوجية وإخضاع الإنسان (ذكرًا أو أنثى) لهذا المعنى الغريزي العجيب، تحقيقًا لتنمية النسل وتكاثر أفراد الأسرة الإنسانية المسلمة فوق الأرض ولا يضير بهذا الحكم الأساسي العام وجود رخصة استثنائية تذيله وتقيده، إذ ما من حكم من الأحكام الكلية إلا وله قيود ورخص استثنائية.
ومن ثم فإن واجب المسلمين والحالة هذه أن يطبقوا الحكم الكلي في مجاله الكلي العام وأن يضعوا قيوده واستثناءاته ورخصه في مواضعها الجزئية الخاصة بها بحيث لا يجعل من الاستثناءات الجزئية أداة نسف للقاعدة الكلية التي شرعها الله عز وجل.
والنتيجة التي تؤخذ من هذا الكلام أنه لا يجوز للدولة ولا لأي جهة عامة ولا لفئات الموجهين والمصلحين توجيه الناس عمومًا إلى الحد من النسل، مهما اختلفت الأسماء والمسوغات، كما لا يجوز – قولًا واحدًا – استخدام شيء من وسائل الإعلام لبث هذه الدعوة في صفوف الناس، أو لحملهم على مضمونها بشكل من الأشكال.. بل واجب هذه الفئات والأجهزة، وعلى رأسهم ممثلو الدولة تذكير الناس بالحكمة الكبرى التي شرع من أجلها الزواج وتشجيعهم بكل الوسائل الممكنة على الإكثار من النسل، كما أن من واجب هذه الفئات العامة ترك الرخص التي شرعها الله استجابة لظروف وأحوال جزئية طارئة يقدرها أصحاب العلاقة أنفسهم.
نعم لا بأس من بيان الحكم الشرعي العام والخاص للناس عامة، حتى يكونوا على بينة من أمرهم وعلى علم باليسر الذي ضمنته الشريعة لحياتهم.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا نعمة الاعتزاز بدينه وشريعته، وأن يلهم المسلمين جميعًا قادة وشعوبًا الرجوع إلى ما ضمن الله به عزنا وسعادتنا وتألفنا واجتماع شملنا، ألا وهو دين الله المتمثل في عقائده وتشريعاته وأخلاقه، إنه سميع مجيب. والحمد لله رب العالمين.