للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشبهة الثالثة: قال المنادون بتحديد النسل: إن الطبيعة قضت بتحديد النسل ومنع التضخم السكاني وذلك بكتب الموت والفناء عليهم بعد الوجود، كما قدر ذلك بوجود اليأس من المرأة في آخر عمرها والعجز عن الوقاع من الرجل في آخر حياته، وكما يحصل بالعقم من بعض الأفراد رجالا ونساء.

كل هذا مراعاة للتحديد السكاني وعدم التكاثر البشري.

الجواب عن هذا من وجوه:

الأول: إن الطبيعة ليست شيئا معترفا به عند الشرعيين، وإنما المقر به والمعترف به هو الله العلي القدير المدبر المتصرف في ملكه بلا شريك ولا معين، وإنما هو المتفرد بالربوبية والخلق والرزق والإحياء والإماتة وغير ذلك من شئون ملكوته.

وطبائع الأشياء هي أسباب خلقها الله تعالى وجعلها أسبابًا منظمة محكمة حسب إرادته ومشيئته جل وعلا، وإذا أراد تبارك وتعالى أبطلها وأبطل مفعولها فليس في هذا الكون متصرف سواه سبحانه وتعالى.

الثاني: إن القول بأن وجود الموت والفناء والعقم والإياس من الولادة ونحو ذلك إنما جاءت لتكون حدا من تكاثر النسل ووفرة السكان هو جراءة على الله تعالى وقول في أمره وخلقه بلا علم، وإنما هي تخمينات وتخرصات تمليها الأفكار القاصرة والعقول الزائغة.

والله تعالى جعل القول عليه بلا علم مثل الإشراك به فقال تعالى: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (١) فالتحكم بمخلوقات الله تعالى تعالى تهجم وهو جهل معه غرور والله تعالى يقول: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} (٢) ويقول: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (٣) .

فمن أين لهؤلاء المفترين على الله الدليل على أن الله لم يوجد هذه الأسباب إلا ليحد من تضخم البشرية ويقلل من نسلها؟ .

إن طبيعة – الكائنات الحية – في الحيوان والنبات تخضع لنظام خاص بها جاء من طبيعة تركيبها وأصل عناصرها، تلك العناصر التي لها حد تنتهي إليه وليس هذا خاصا بالإنسان فلله تعالى في خلقه شئون وأحوال لا ندركها ولا نحيط بشيء منها، فالله لم يعطنا من العلم إلا قليلا ندرك به ما يسعدنا في دنيانا وأخرانا، أما الذي أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا فهو الله تعالت قدرته.


(١) الأعراف [٣٣]
(٢) البقرة [٢٥٥]
(٣) الإسراء [٨٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>