للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: إن الله تبارك وتعالى أودع في طبيعة الأحياء وفي غرائزهم الرغبة في التناسل وحصول الذرية، فهي جبلة وغريزة ملحة في الإنسان تدعوه إلى الرغبة في الزواج لحصول الولد تحقيقا لبقاء النوع وإرضاء لعاطفة الأبوة والأمومة، فالذي جعل هذه الغريزة وتلك الطبيعة هو الذي جعل الوفاة واليأس من الولادة والعقم عوائق عن مواصلة الولادة والتناسل.

فحكمة الله تعالى أجل وأسمى من أن ترد إرادتان متضادتان على مراد واحد ومقصد واحد.

وإذا أبحنا لأنفسنا تعليل شيء من مراد الله تعالى وتلمسنا حكمته في هذا فإننا نقول: إن فترة الإخصاب بين الرجل والمرأة كافية لحصول عدد كبير من الأولاد، وهي الفترة التي فيها- غالبا- وجود الأبوين قويين لتربية الأولاد وتعليمهم والقيام على شئونهم وما يصلحهم. أما في حالة الشيبة والكبر فهما أنفسهما في حاجة إلى الراحة، وليس لهما قدرة على الولادة والتربية والقيام بشئون الأطفال، فرحمة الله تعالى وحكمته في ضعف الأبوين ورحمته وحكمته بالأطفال المحتاجين للعناية والرعاية أن ينتهي الإخصاب والإنجاب في هذه الفترة، وفترة نشاط الأبوين في سن الشباب إلى سن الكهولة الذي هو وقت الإخصاب وزمن الغبطة بالأولاد والقوة على تربيتهم والقيام بشئونهم كأطفال محتاجين للعناية والرعاية، أما الوفاة والفناء فهذا مصير كل كائن حي حتى على الكائنات التي يعتبر وجودها وتكاثرها إثراء في المواد الغذائية ورغدا في وسائل المعيشة، أما العقم فهو من الندرة بمكان جدا.

على أن من فوائده بيان قدرة الله تعالى وكمال إرادته وشمولها كما قال الله تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} (١) فهو تعالى يهب الإناث أو الذكور ويهب النوعين ويحرم من يشاء فيجعله عقيما، وكل هذه الأحوال خاضعة لمشيئة الله تعالى يقدرها ويجريها وفق علمه وحكمته.

والقصد أن المناطقة وذَوُو العقول يحيلون اجتماع الضدين قال تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (٢) .


(١) الشورى [٤٩، ٥٠]
(٢) الأنبياء [٢٢]

<<  <  ج: ص:  >  >>