للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} . (١) .

كما اشتاق زكريا إلى الذرية الصالحة لما رأى من أمر مريم التي تقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكان هو الكافل لها، وكان قد انقرض أهل بيته، فدخل محرابه للصلاة في جوف الليل وحكى عنه القرآن توجهه وقوله: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} (٢)

- وإذا كان بقاء الإنسان حيا بالذكر لا يتم إلا بما يحقق من عمل صالح أو من علم بثه في صدور الرجال أو من أبناء ينشئون تنشئة طيبة، فإن أيسر الأمور الثلاثة بقاء الذكر عن طريق الذرية الطيبة والأبناء الصالحين؛ لأن ذلك رهين العناية بهم وحسن القيام على تهذيبهم وتربيتهم، وهذا ليس بالعسير على كافة الآباء والأمهات في حين أن الأعمال الصالحة وبث العلم في صدور الرجال لا يحققان هذه الغاية إلا متى بلغ صاحبهما مبلغ النباهة ورفعة الشأن وحسن الأحدوثة، وليس الوصول إلى ذلك إلا لمن وفقهم الله ويسر لهم الطريق وكلل مساعيهم بالنجاح والفوز.

ولقد جاء من أوصاف الصالحين الذين سماهم القرآن عباد الرحمن أنهم هم الذين يدعون ربهم أن يهب لهم أزواجا وذرية – إذ الذرية من الأزواج حتما – ما تقر به أعينهم ويرضي طموحهم إلى مزيد الصلاح والخير فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (٣) .

فقد دعوا أن يمنحهم الله الخير عن طريق الأزواج والذرية وقدموا ذلك على دعائهم لأنفسهم مباشرة مع أن المعروف من سنة الدعاء هو تقديم النفس على الغير، فيقول الداعي الملتزم بآداب الدعاء مثلا: اللهم ارحمنا وارحم آباءنا وارحم جميع المسلمين.


(١) ٣٥ – ٣٧ / آل عمران.
(٢) ٣٨ / آل عمران.
(٣) ٧٤/ الفرقان.

<<  <  ج: ص:  >  >>