للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والظاهر أن ذلك التقديم لأمرين:

-أحدهما أن دعاءهم للأزواج والذرية هو دعاء للنفس في الواقع؛ لأن صلاح الأزواج والذرية ينتفع به الأب بلا شك.

-وثانيهما أن هذا التقديم لإبراز ما للآباء من آمال تعلق على الأبناء هي أقرب للتحقيق من سواها، وما لهؤلاء الآباء من حرص على الأزواج والأبناء يفوق الحرص على النفس من باب ويؤثرون على أنفسهم، وإن كان هذا الإيثار لا يخلف خصاصة.

-وهكذا فإن الإنجاب مطمح عظيم تتعلق به أسمى الغايات وتتوقف عليه أزكى المآرب وأشرف المقاصد.

-وكفى بالوالد شرفا ونبلا ومكانة وفخرا أن يولد له من صلبه من يعبد الله ويتقيه، وقد خلق تعالى المخلوقات من جن وإنس ليعبدوه، وحصر خلقهم في ذلك الشأن فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (١)

-وأن يولد له من صلبه من يسهم بقسطه في إعلاء كلمة الحق وإقرار القيم والموازين القسطاس ويحمل الأمانة على خير الوجوه كما حملها عباد الله المقربون.

-مما أسلفنا عن الإنجاب والذرية – وما أسلفنا غير نبذة – قد اكتسب هذا الموضوع قداسة وأهمية بالغة دفعت بالباحثين في أمر تحديد النسل إلى مزيد من الحذر أحيانا وإلى الخوف من الوقوع فيما يغضب الله أحيانا أخرى.

-ولعل الأهم من الحذر والخوف أن يتوصل العلماء والباحثون إلى إنارة السبيل أمام الأفراد والمجتمعات وأمام الماسكين بأزمة السياسة والحكم في العالم الإسلامي حتى لا تحيد الأسرة المسلمة عن منهج دينها الحنيف، وفي دينها من التعاليم والأحكام المرنة التي ترعى المصالح الثابتة والآنية ما يضمن لها أن تعيش عصرها على خير الوجوه وأمثل الطرق، وأن تستغني عن استيراد الأنماط والنماذج المنبترة النزقة التي لا تقاس فضلا عن كونها تلبس.


(١) ٥٦/ الذاريات.

<<  <  ج: ص:  >  >>