للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا تبقى صلة الميت بالدنيا ويستمر عمله كما لو كان حيًا عن طريق العقب والذرية، ولقد جاءت الآثار تؤكد أن الآباء ينتفعون بصلاح الأبناء ولو كانوا قد تبوءوا أماكنهم من الجنة، أخرج مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول: " إن الرجل لَيُرْفَعُ بدعاء ولده من بعده. وقال بيديه نحو السماء ورفعها (١) قال الإمام السيوطي في تعليقه على هذا الخبر: قال ابن عبد البر: هذا - أي الذي كان يقول سعيد بن المسيب - لا يدرك بالرأي، وقد روي بإسناد جيد مرفوعًا، ثم أخرج - أي ابن عبد البر - من طريق أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن المؤمن ليرفع له الدرجة في الجنة، فيقول: يا رب بم هذا؟ فيقال له: بدعاء ولدك من بعدك " (٢) .

وقد نَزَّلَ الله تعالى محبة الأبناء والحفدة سويداء القلوب فحفظ بذلك مصالحهم, وأمن عيشهم فلم يحتج إلى حرص يحفز الآباء لمزيد العناية وحسن القوامة عليهم، بل قد يدعو الأمر إلى تنبيه هؤلاء الآباء إلى الأخذ بالحذر في سعيهم وحدبهم على الأبناء، حتى لا ينقلب الأمر إلى وبال عليهم أو إلى فتنة يفتنون بها في حياتهم، فقال تعالى مرشدًا ومحذرًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (٣) .


(١) الموطأ، قرآن (العمل في الدعاء) ، انظر: السيوطي، تنوير الحوالك ١/١٦٩.
(٢) انظر: تنوير الحوالك١٧٠/١ (ط مصر ١٣٥٦/١٩٣٧) .
(٣) ١٤-١٥/التغابن.

<<  <  ج: ص:  >  >>